للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رسَالة النقد

على هامش كتاب:

سعد زغلول من أقضيته

(إلى القانوني الأديب الأستاذ عبده حسن الزيات تحية شكري

وإعجابي)

للأستاذ عدنان الخطيب

خسارة:

عرف الشاب (العمل الحكومي) صغيراً، عرفه في أبشع صورة وفي أجملها، عرفه يوم كان (راتبه) يملأ جيبه وكلتا يديه، عرفه جميلا في مظهره ومكانته عند الناس، ولكنه عرفه قبل كل شيء سماً قاتلا يميت المواهب، ويقضي على ما في النفس الأبية من عزة وكرامة، عرفه قيداً في عنق صاحبه، يحد من نشاطه ويقيد من حركاته، ومايزال يضيق حوله حتى تنفلج أعصابه وتنشل حركته، ثم لا يكون إلا كالقبر لا هواء فيه ولا نور، ولا حيلة لمن فيه إلا انتظار يوم البعث والنشور، يوم الإحالة على (المعاش) والاعتكاف في البيت شيخاً أحنت الأيامه عظامه، وتصلبت منها شرايينه، ينتظر يومه الأخير، كما كان ينتظر آخر الشهر يوم القبض ووفاء الديون.

نعم عرف الشابق (الوظيفة) وخير حقيقتها فجزع من مصير كمصير أربابها، وهو الذي شرب لنا الكرامة والأنفة رضيعاً، وعشق الحرية وجوّها يافعاً، ثم كان جريئاً بفطرته وولائته، لا يعرف كبيراً لا يقال الحق في وجهه، ولا يعترف بفضل لمن لم يكن من أهل الفضل ولا الفضيلة من صفاته، جزع من أن تطول أيامه فيها فتخف قدرته على الانفلات من أسارها، فتركها غير آسف عليها، ثم ساح في الأرض ليزيد في علومه وتجاربه، ويرضى ضميره وطموحه، وعاد يعمل حراً طليقاً في المهنة التي ارتضاها لنفسه وأحب العمل فيها على منهج رسمه بنفسه، وأسلوب يتفق وآماله ومبادئه.

بدأ الشاب يعيش العيشة التي كان يهواها ويصبو إليها، وأخذ يملأ أوقات فراغه بتدوين

<<  <  ج:
ص:  >  >>