تخطيط القاهرة - فكاهات هندسية - النور القدير على تمزيق الظلمات - أبناء دار العلوم بوزارة المعارف
تخطيط القاهرة
أيام هذا الصيف آذتني أعنف الإيذاء، بسبب صعوبة المواصلات، الصعوبة التي خلقها الازدحام في الترام والاتوبيس في أكثر الأوقات، ولا سيما وقت انصراف الموظفين، فكنت أقطع الطريق على قدميَّ في حرِّ الظهيرة من وزارة المعارف إلى باب الحديد، وكانت الظروف قضت بأن تكون محطة المترو في باب الحديد بضعة أسابيع.
وقد غنمت من هذه الظروف غنيمتين: الغنيمة الأولى هي لفح الوجه بوهج الشمس، فما رآني صديق إلا توهم أني قضيت على شواطئ الإسكندرية شهراً أو شهرين. وليت الأمر كان كذلك، فقد سمعت بعد فوات الوقت أن شواطئ الإسكندرية كانت فتنة العيون والقلوب في هذا الصيف!
أما الغنيمة الثانية، فهي أغرب وأنفع، لأنها هدتني إلى أفكار تستحق التسجيل، أفكار متصلة بتخطيط القاهرة، عاصمة الشرق بلا نزاع، وأعظم مدينة دينها الإسلام ولغتها العربية.
هداني السير على قدميَّ في حرِّ الظهيرة إلى القول بأن القاهرة لم تجد مهندسين يراعون أصول الانسجام والتنسيق.
وقبل أن أفصِّل هذا القول، أرجو من زار القاهرة أن يتمثل شارع محمد علي فهو الشارع الوحيد الذي روعيت فيه أصول الانسجام والتنسيق، بحيث يجوز لك بعد مراعاة الأدب مع الله أن تقول إنه بين شوارع القاهرة واحدٌ بلا شريك.
تقف على رأس هذا الشارع من ميدان العتبة الخضراء (ميدان الملكة فريدة) ثم تنظر فتروعك منارة جامع السلطان حسن ومنارة جامع الرفاعي، مع أن بينك وبين هاتين المنارتين مسافات طويلات.
فما أسم المهندس الذي خط هذا الشارع منذ أعوام طوال؟