للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١٥ - تاريخ العرب الأدبي]

للأستاذ رينولد نيكلسون

ترجمة حسن محمد حبشي

ومن المحتمل أن يكون فجر العصر الذهبي للشعر العربي هو هذه السنوات العشر الأولى من القرن السادس بعد الميلاد. فحوالي هذا الوقت كان قد اشتد ضرام حرب البسوس التي سجلت سنيها عاما فعاماً أشعار معاصريها إبان ذلك الوقت، كما أن أول قصيدة عربية أنشئت - كما تذكر أخبارهم - قصيدة نسج بردتها المهلهل بن ربيعة التغلبي في رثاء أخيه كليب الذي كان مصرعه سببا في إشعال نار الوغى واشتجار رماح قبيلتي بكر وتغلب. وعلى كل حال ففي خلال القرن التالي لهذه الحادثة يجد كثيرا من المنشدين في جميع أصقاع شبه الجزيرة العربية ظلوا مقتفين لهجة شعرية واحدة في معانٍ مشتركة ضلّت محترمة لم تمسسها يد التغيير والتبديل حتى نهاية العصر الأموي (٧٥٠م) ومع ذلك فقد سادت الأدب أيام الخلافة العباسية روح جديدة سرعان ما ثبتت قوائم سلطانها الذي ظل على قوته حتى اليوم تقريبا، وكان هذا النمط يتمركز في القصيدة التي تعد الصورة - أو بتعبير أدق - المثل الأعلى لما يمكن تسميته بالعصر الرائع للأدب العربي. وتختلف القصيدة في عدد الأبيات لتي تتألف منها، لكنها قلما تقل عن خمسة وعشرين أو تربو على المائة، ولا يكون التصريع إلا في المطلع، ثم تجري القافية على روي واحد حتى نهاية القصيدة. أما الشعر المرسل فغريب عن العرب الذين لا يرون الإيقاع حلية وتنميقا أو تقييدا منهكا بل يعدونه روح القصيدة وجوهرها. وأغلب ما تكون القوافي رقيقة فيها أنوثة كقولهم سخينا، تلينا، مهينا، مخلدي، يدي، عوّدي، رجامها، سلامها، حرامها. وإنّ تذليل عقبات القافية الواحدة ليتطلب مهارة فنية كبرى حتى في لغة يكون من أشد خصائص تكوينها تعدد القوافي وكثرتها، وأن أطول المعلقات لأقصر من مرثية جراي، أما من ناحية الوزن فللشاعر الحرية في اختيار أي بحر إلا الرجز الذي يعد أتفه من أن يستعمل في القصيدة. بيد أن حريته لا تصل إلى اختيار الموضوعات أو إلى طريقة استغلالها بل نرى عكس ذلك، إذ أن مجرى أفكاره مقيد بشروط قاسية لا يستطيع الفكاك منها، وفي ذلك يقول ابن قتيبة: (وسمعت بعض أهل العلم يقول أن مقصد القصيد إنما ابتدئ فيها بذكر الديار

<<  <  ج:
ص:  >  >>