وادي حلفا عاصمة إحدى مديريات السودان الكبرى، وهي مديرية حلفا، وهو ميناء نيلي تسير السفن البخارية الصغيرة بينه وبين الشلال تنقل المسافرين والبريد من مصر إلى السودان ومنه إليها، ويشعر الزائر المصري للسودان عندما تطأ قدمه ارض حلفا كأنه في إحدى مستعمرات التاج البريطاني، ولا عجب فمنذ جلاء الجيش المصري عام ١٩٢٤ تعمل السياسة البريطانية على ان تجعل من السودان منطقة انكليزية بحتة. وقد تلاشت المصرية أو كادت تتلاشى بعد ان كانت ظاهرة قوية فيه.
ووادي حلفا له مكانته لانه كما قلت ميناء نيلي كبير ومركز تجارة لا بأس به، وهو فوق ذلك مدخل جمركي يفتش المسافرون وامتعتهم فيه حتى لا تهرب بضائع معينة من السودان إلى مصر. ثم هو الحد الذي يشعر عنده المصري بشعور مؤلم هو شعور الفصل اللاطبيعي بين القطرين التوأمين.
وينقسم هذا البلد قسمين رئيسين أحدهما (حلفا توفيق) نسبة إلى مسجد كبير شيده الخديوي توفيق في ميدان فسيح يتوسطه. والثاني (حلفا معسكر) نسبة إلى معسكر الجيش المصري الذي كان يعسكر فيه حتى سنة ١٩٢٤.
وحلفا توفيق هو روح البلد، ففيه الميناء المشغول بالحركة الدائمة ولا سيما عند وصول البريد إليه من الشلال وعند قيامه منه إليه ويحصل ذلك اربع مرات في كل أسبوع، وفيه محطة السكة الحديدية ومكتب البريد والبرق وبناء المديرية والمستشفى ودار الشرطة والمحكمة ومكتب الجمرك والري المصري، وفيه المحال التجارية والمقاهي والفندق وتوكيل لبعض الشركات كشركة كوك وسنجر. والدور فيه ذات طابق وأحد وفناءات فسيحة إلا بعض الدور القلائل ذات الطابقين على ضفة النيل يؤجرها ملاكها الوطنيون إلى بعض الموظفين المصريين والسوريين.
وحلفا معسكر، قسم صاخب بالنهار في ناحية من نواحيه حيث توجد (الورشة) ففيه تسمع صوت المطرقة وآلات التصليح والنجارة والحدادة وغيرها. أما منذ الاصيل فهو هادئ، وهو بخلاف القسم الاول ملآن بالدور الفخمة، وافخم هذه الدور هي التي يسكنها