للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البريطانيون، فهي مزدانة بالشجر والزهر والثمر، تطل نوافذها على النيل، ومنها تستطيع ان تمتع الطرف بمياهه الجارية، كأنها السلسبيل، وبالشجيرات على ضفتيه نضراء وقد تجمعت في مكان وتفرقت في اخر، فكأنها الزبرجد مسكوبان وكأنك تستمد الحياة من منبع الحياة.

ويتوسط القسمين منتزه جميل فرشت ارضه بالبرسيم المورق قامت عليه الشجيرات النضراء المختلفة كأنها الحراس إلا انها تغفل دائما عن المنجل يحصده غالبا. وزين بالزهور المختلفة الألوان والانواع تحملها جذور وسيقان، ويدار الحاكي فيه مرة في مساء كل جمعة. ولعل (الراديو) حل محله اليوم.

ويؤلف البريطانيون فيه كتلة متحدة غير مختلطة بغيرها من الاجناس الأخرى، اللهم إلا الاختلاط الذي يوجبه العمل، وهو مخالطة الرؤساء لمرؤوسيهم، يلمحون بالطلب فيلبى، ويعطون الاشارة فتنفذ، ويلقون الأمر فيطاع. أما في أوقات فراغهم فهم يريضون اجسادهم بركوب الخيل ولعب (التنس) و (الجولف) وغير ذلك، والمساء يقضرنه في المسامرة والمنادمة بين الكأس الرحيق والرقص الرشيق.

والمصريون في وادي حلفا الان كما هم في غيره من بلدان السودان: اقلية ينظر إليها اولو الأمر فيه نظرة حذر، ويكادون يكونون تحت مراقبة دقيقة لانهم متهمون ببث روح التمرد وما هم كذلك، وما الحركة التي قامت في سنة ١٩٣٤ في السودان إلا فورة وطنية قام بها الوطنيون وغيرهم كما تقوم اية جماعة في أي بلد بحركة يرجون بها غرضا معينا، وما ظن الاتهام الذي يوجهه اولو الأمر في السودان إلى المصريين في هذا الشأن إلا ستارا لسياسة موضوعة لقصد معين.

ولكن الروح التي تربط المصري والسوداني لا تزال قائمة ولن تزول - وهي روح وطنية -، لأنهما يريان النيل ابا مشتركا بينهما، وهي روح جنسية، لان المصري والسوداني هم مزيج من جنس البحر الابيض والجنس الحامي، ثم هي روح لغوية لأنهما يتكلمان العربية، وهي روح دينية لأنهما أما مسلم وأما قبطي، وهي اخيرا روح لا يمكن نزعها من جسم أحدهما دون ان يموت الاخر.

والوطنيون هم البربريون الحلفاويون، لهم رطانة يتكلمون بها فيما بينهم، إلا انهم جميعا

<<  <  ج:
ص:  >  >>