نشرت لجنة التأليف والترجمة والنشر منذ شهر للأستاذ النابغة الدكتور عبد الوهاب عزام كتاباً جميلاً يمثل فترة من تاريخ مصر في آخر القرن التاسع الهجري، وطرفاً من القرن العاشر.
وقد شاء أدبه وفنه ووفاؤه وثقافته أن يجعل من علاقته بقبة الغورى أثراً أدبياً، لأنه رئيس جمعية الأخوة الإسلامية التي تعقد اجتماعها في القبة مرة في كل أسبوع؛ فبحث ونقب في مكاتب مصر والآستانة حتى اهتدى إلى ثلاثة آثار نفيسة للغوري: أولها ترجمة تركية للشاهنامة التي نشرها الدكتور منذ بضع سنين؛ وثانيها هذا الكتاب للمجالس؛ والثالث في المجالس أيضاً، ولكنه أصغر حجماً وأضيق نطاقاً، وفيه تكرار لبعض المجالس الواردة في الكتاب الكبير. ويحسن بي قبل أن أتكلم عن الكتاب أن أشكر الدكتور العالم الذي أثبت بنشر هذين الكتابين أن كانت لبعض سلاطين مصر ندوة أدبية هي أشبه الأشياء بمجمع العلوم والآداب يضبط فيها الوقت بالدرجات ويحضرها لفيف من العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء وتدور فيها الأحاديث حول المسائل العقلية والفقهية والتاريخية، ولا تخلو من سمر رقيق وفكاهة ودعابة. وكان السلطان نفسه يرأس الاجتماع ويتلقى الأسئلة ويجيب على بعضها عندما يثبت عجز الحاضرين.
وهذه الصورة الجميلة لسلطان صالح كريم شجاع من أجمل صور التاريخ وتجعل لآثار الغوري التي نشهدها ونراها أثراً حياً في النفوس. كان الملك من رجال قاتيباي، ولم يكن ينظر إلى السلطنة؛ ولكن تقواه وعلمه وإخلاصه أوصلته إليها فقابل ذلك بالشكر لله والإحسان إلى الفقراء. وكان زمنه زمناً رخواً فهناك قصة عن هجوم بعض السفن الحربية على شواطئ مصر وانصرافها بقراءة الفاتحة. وهناك صورة أخرى لأخلاق البدو والحضر في الحجاز ومؤامرة بعض أمراء مكة مع هولاكو على جيوش الظاهر بيبرس ومحمله، وتدبير مكيدة لقتل أمير المحمل المصري. فدلت على أن تلك البلاد المقدسة ما زالت على وتيرة واحدة إلى ان أنقذها الله بالعهد السعودي