وكان السلطان إذا فقد ولده بالوفاة أو صديقاً عالماً أو وزيراً حكيماً كف عن الجلوس في ندوته يومين أو ثلاثة، وكان يجلس للناس ويسمع شكواهم، ويوزع الصدقات عليهم بيده، ويجد في ذلك لذة عظمى؛ وكان ينظم الشعر العربي والتركي ويضع الألغاز بهما، ويداعب جلساءه بمعضلات الفقه. ولم يكن مقصراً في الحرب فقد بنى قلاعاً في جدة وفي ينبع؛ ومن أسماء سلطان الحرمين ما يدل على أن كل حكومة شرقية طمعت في أن يكون لها سلطة في الحجاز
وقد اهتدى الدكتور الأستاذ عبد الوهاب عزام إلى نسخ مخطوطة فقارنها وصححها وطبعها ولقى في ذلك مشقة يستحق عليها كل إعجاب وثناء. ومن محاسنه أنه أبقى الأسلوب على حالته ليدل على حقيقة ما كان يكتب. وللسلطان الغورى هنة واحدة وهو أن كرمه أفقره فاحتاج إلى أخذ ضرائب فادحة من الشعب؛ ومن بين الذي وقع عليهم هذا الحيف سيدة مغنية معاصرة فرض عليها خمسة آلاف دينار فباعت حليها أو ما زعمت أنه كل ما تملك وحملت إليه ألف دينار وشفاعة القاضي فقبلها السلطان وأعفاها. وإذن كان في القرن التاسع الهجري في القاهرة قيان يغتنين من الغناء ويدخرن المال الكثير ولا يدفعن عنه زكاة حتى يأتي السلطان وينتزعه انتزاعاً. فما أشبه اليوم بالبارحة فيما عدا اغتصاب مال القيان. وأشكر اللجنة التي أعانت على نشر الكتاب والدكتور عزام على عمله الجليل