للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مجهولو الأبطال]

ابنا النقيب

للأستاذ محمد فريد أبو حديد

أرأيت التاريخ اتسع يوماً لذكر الألوف المؤلفة ممن سيروا حوادث الدهر، ودفعوا تيارات الزمان نحو مستقرها؟ قد يذكر التاريخ عظيما أو بعض عظماء، وهؤلاء قد يكونون من قادة الحرب وزعماء أرباب السيف، وقد يكونون من أهل السياسة وأصحاب الدهاء والكياسة، الذين تألفوا الناس وحركوا الأحزاب، وقد يكونون من أهل القلم، لا بل قد يكونون من أصحاب العلم الذي أضاءوا للناس سبلهم في الحياة. ولكن كم يكون هؤلاء الذين يذكرهم التاريخ؟ أيكونون بضع مئات في كل عصر؟ أم لعلهم يبلغون بضعة ألوف؟ وأين يقع هؤلاء من ذلك التيار الأتيَّ الذي تزدحم به الأيام والليالي من الناس؟

قد يزعم زاعم أن الأفذاذ كانوا أبداً قليلي العدد، وأن التاريخ لا يذكر إلا هؤلاء الأفذاذ. وذلك زعم أكِل الحكم فيه لكل من وقعت عينه على هذه الكلمات، فإني لا أخال فيهم الكثيرين ممن بلغت بهم الأنانية إلى تطلع لذكر التاريخ والخلود في صحائفه. فإذا كان أكثرنا لا يطمع في ذكر التاريخ والخلود فيه، أأيأ] أيأينبتيسنبتيمسبتيسننيستبيسبينبتيسنبتيسبسأيكون ذلك مُخَذلاً لنا عن القيام بما يجب علينا؟ إن من الناس من يعطي المسكين أمام أعين الناس. حتى يشتهر بينهم بالأفضال والاحسان، وإن منهم من يرفع رأسه بكلمة الحق، وهو على مسمع من قوم يطمع أن يقولوا عنه إنه حر أبي كريم النفس، وإن منهم من تدفعه الحمية وهو على مرأى من الناس إلى أن يخوض الأخطار في سبيل المكارم، لتكون له بذلك ذكرى بينهم وحسن أحدوثة. وهذا الحق لا بأس على الناس ان يأتوه، فان الخير لا يضره أن يكون من ورائه منفعة لمن يقدمه. غير أن تلك المرتبة في المحل الثاني من المكارم، وأما المحل الأول فقد سبق إليه من يواسي في الخفاء، وهو لا يطمع في شكر من يواسيه، ولا يتطلع إلى إعجاب من حوله من الناس، ومن يصدع بالحق لا يبتغي من وراء ذلك إلا أن يقوم بواجبه أمام نفسه، ومن يصنع الخير للناس لا ليجازوه بالاجلال، ولا ليفوز منهم بالإعجاب. بل لأنه يطيع طبيعته في ذلك وينطل على سجيته. ومن ثم كان الأولى بشكر الإنسانية من يقوم على المكرمات،

<<  <  ج:
ص:  >  >>