كان جمال الطبيعة وفتنة المناظر في الطريق بين بلدتي شاتهام وجريفسِند مما يملك لب الصغير (تشارلي) ويستثير عنده أدق الأحاسيس بالجمال. وكان أحب شيء عنده أن يقف ويستوقف أباه لدن هذا الصرح الممرد القائم على قمة الربوة. . . صرح جادْزْهيل؛ حيث كان يربض فيما مضى قاطع الطريق فالسْتاف مع رجال عصابته ليسلب المسافرين والمنقطعين؛ وحيث تنبسط اليوم على مدى البصر السهولُ الآمنة الخضر والمروج الأواهل الفيح
قال الوالد الفقير المثقل بأعباء الحياة لطفله ذات يوم، وهو يحاول أن يبعث في قلبه الصغير بصيصاً من الأمل:
أترى هذا القصر الأنيق يا تشارلي؟ إنك لتستطيع أن تكون مالكه يوماً ما، إذا أنت أخذت نفسك منذ اليوم بالجد والدأب، وسلكت في حياتك مسلكا ناجحاً شريفاً حتى تنال ما ينبغي لك من الجاه والثراء جميعاً. . .
وما من شك في أن الأب كان يرتاب في إمكان تحقيق هذا الأمل الذي داعب به مشاعر غلامه؛ ولكن مشيئة القدر، وانطواء الزمن تلو الزمن كانا كفيلين بتحقيق هذه الأمنية النفيسة، في جملتها وفي تفصيلها. فقد جد تشارلز ودأب، وسلك في حياته سبيلاً ناجحاً شريفاً، ونال الجاه والثراء جميعاً. . . ثم امتلك قصر جادزهيل بمروجه ومزارعه، وقضى في رحابه أجمل أيام حياته. ولكن لم يتم له ذلك إلا في أعقاب أربعين سنة كاملة تجرع فيها كؤوس الآلام مترعة دهاقا. . .
لم يكن تشارلز من مواليد شاتهام وإنما انتقل إليها مع والده وهو في الرابعة من عمره؛ وكان مولده في لاندبورت بجزيرة بورت سي يوم الجمعة السابع من فبراير عام ١٨١٢ م.
وكان والده - وهو كاتب ببعض خزائن الأسطول - رجلاً ممتلئ النفس بالعطف البالغ