على هامش السياسة، هكذا يسميه سعادة مؤلفه الكبير، تواضعاً وعزوفاً عن التعاظم بالألقاب والأسامي، تسمية متواضعة إن دلت على شيء في موضعها فإنما تدل على خلق المؤلف وطبعه، لكنها لا تدل على الموضوع الهام الذي يتناوله الكتاب. ولقد كان أقرب دلالة على موضوعه أن يسميه (في صميم السياسة) فليست السياسة هي هذا التطاحن الحزبي الذي نشهده في اجتماعات الأحزاب السياسية، والتراشق بالتهم والسباب الذي نقرؤه في مختلف الصحف الحزبية؛ وليست السياسة هي هذه المظاهرات التي تعج بها الشوارع وتضج بالهتاف لفلان وفلان من رجال الحكم والسياسة. إنما السياسة حكمة وتدبير ونظر بعيد، وتفكير فيما يعود على الأمة أفراداً وجماعات بالخير. . .
إن لكل أمة هدفاً تسعى إليه، ولكن هذه الأهداف جميعها تلتقي في كل أمة عند معنى واحد، هو التقدم بالأمة والسمو بها إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه، والرقي بالشعب إلى المستوى اللائق به في العلم والثقافة، وفي الصحة العامة، وفي شئون الاقتصاد. . .
ولقد مضى على المصريين فترة غير قليلة وهم يجاهدون إلى غاية من غايات الشعوب الحرة، هي الظفر بالاستقلال. وقد طالت هذه الفترة والمصريون في جهادهم، وتنوعت أساليب الكفاح والمقاومة، حتى نسي المصريون ما وراء هذه الغاية، إذ كان جهادهم للاستقلال وحده، وطالت بهم الشقة حتى أوشك كثير منهم أن يوقنوا - سلباً أو إيجاباً - إن الاستقلال في ذاته غاية، فلما أذن الله أن تصل الأمة إلى هذه الغاية بعد طول جهاد، أحس الشعب بشيء من القلق السياسي، وتوزعت خواطرَ الناس شئونٌ وشجون؛ أما طائفة فقالت - وهي الأكثرية من الشعب -: وماذا أفدنا من الاستقلال؟ وماذا حصلنا بعد هذا الجهاد الذي أريقت فيه الدماء، وبذلت فيه الضحايا، وتحملنا فيه ما تحملنا من العنف والمشقة؟. . . وأوشكت هذه الطائفة أن تكفر بعد إيمان، وتعتقد أن ما بذلت في ساحة الجهاد منذ سنين