النكتة في أصل اللغة هي النقطة البيضاء في الشيء الأسود، أو السوداء في الشيء الأبيض، اخذها البيانيون لكل معنى يترك في النفس لدى كشفه أثراً تظهر معه بمظهر الروعة والاعجاب. ولا يخفى الشبه بين الحقيقتين اللغوية والاصطلاحية، فكما أن النفس ترتاع لمنظر السواد في البياض كالحور في العين. ولمنظر البياض في السواد كالقمر في الليل، فكذاك تأخذها الروعة لسماع قطعة من النثر قد ضمنها الشاعر معنى أخرجه بين دقة نظر وإمعان فكر، فهي في عرض الحديث أو القصيدة بارزة الجمال بروزها في سواد الليل قمرا، وفي بياض العين حَوَرا
والنكتة البيانية كما تكون في العلم نتيجة إعمال الفكر، تكون في الفن وليدة إبداع الخيال، وتكون وليدة الطبع أو التطبع، وإذا جاءت هزليةً دعيت فكاهة، وما أثقل على السمع أن يهزل بها متكلف، وإذا كانت جدية كانت وليدة الحذق وحدة القلب، أما الهزلية فتكاد تكون قاصرة على الطبع
قد يرى البعض أن النكتة في الشعر محض فن لأرواح معه، والذي يوهمهم ذلك هو ظنهم أن الشاعر إنما ينظم النكتة وهو غير متأثر، فهم يحصرون التأثر النفسي في جانب العواطف الثائرة لحزن أو سرور، والنكتة عندهم مجرد التفات الفكر إلى غريب معنى يكتشفه وهو يتحقق أو يتخيل، بينما تكون العاطفة هادئة مطمئنة؛ ولو لفتهم العقل إلى ما تتأثر به نفوسهم لدى سماعهم هذه النكتة من روعة وجمال ثم التفتوا ثانياً إلى أن تأثر السامع إنما هو نتيجة تأثر القائل لاستراحوا من هذا التأويل، ولعلموا أن النظم إذا صدق عليه أنه شعر، كانت روح الشاعر متغلغلة فيه، ولكن هذه الروح تبدو جلية في حين وتخفي على الفهم البسيط في حين آخر، وليس تأثر النفس الشاعرة قاصراً على ما يبعث الحزن أو السرور فيها، وإنما يتعدى ذلك إلى كثير من أفعال الوجدان، كالدهشة، والغضب، والذعر ونحوها
يلتفتون إلى أن النكتة في الشعر إنما تنشأ عن تنبه الفكر إلى غريب معنى يكتشفه وهو