قال عتبة بن ربيعة لأخيه شيبة: أنظر إلى هذا الرجل المقبل على حائطنا ومن ورائه السفهاء والعبيد قد أغرو به وسلطوا عليه، فهم يؤذونه بألسنتهم، وهم يؤذونه بما يحصبونه به من الحصى والأحجار! ألا تثبته؟ قال شيبة وقد نظر فأطال: بلى! والله إني لأعرفه كما تعرفه، وإن قلبي ليرق له كما يرق له قلبك، وإن نفسي لتثور غضباً له كما تثور نفسك، ولقد هممت ومازلت أنازع نفسي أن أفزع إلى نصره وجواره وحمايته من حلماء ثقيف وسفائها. ولولا ما بينه وبين قومنا، ولولا أني أعلم أننا إن فعلنا كان لنا مع قومنا أمر عظيم وخطب جليل. قال عتبة: وا رحمتاه لابن عمنا من قومه! ثم وا رحمتاه لقومنا من أنفسهم! ما كنت أحسب أن يبلغ الأمر بقريش أن يذلل عزيزها ونحن شاهدان، وأن يجترئ حي من أحياء العرب وإن كانوا ثقيفاً، على أن يسوءوا رجلاً من قريش وإن كان مستضعفاً مهيناً. فكيف بابن عبد المطلب وابن أخي حمزة والعباس؟ وكان هذان الرجلان من أشراف قريش قد ذهبا إلى بستان لهما في الطائف يصلحان من أمره وأمرهما، ويهيئان لتجارتهما: يجمعان ما تنفذه ثقيف مع تجار قريش إلى اليمن في رحلتها إلى اليمن، وإلى الشام في رحلتها إلى الشام. وكانا قد أقاما في الطائف أياماً، وأقبل في أثناء ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على ثقيف يلتمس عندهم النصر والعون والجوار بعد أن تنكرت له مكة بطاحها وظواهرها، وبعد أن تنكر له الناس حتى أقربهم إليه وأدناهم منه، وبعد أن فقد عمه الذي كان يمنعه ويقوم دونه، وبعد أن فقد زوجه التي كانت ترعاه وتكلؤه وتحوطه بالرحمة والحب والحنان، وكان قد لزم داره بعد هاتين الكارثتين لا يكاد يبرحها خائفاً محزوناً حتى أقبل عليه عمه أبو لهب فأمنه وأعلن إليه أنه يقوم من حمايته بما كان يقوم به أبو طالب. فسرى عن النبي الكريم شيئاً واستأنف الخروج من داره والذهاب إلى المسجد، والاضطراب في مكة، ولكن قوماً من قريش ألحوا على أبي لهب حتى غيروه على ابن أخيه فاسترد جوره وحمايته، وعاد من حرب النبي وعداوته إلى مثل ما كان عليه قبل أن يموت أبو طالب. فلما ضاقت مكة بخير أبنائها خرج إلى الطائف يلتمس جوار ثقيف، فأقام