كان الطبيب بيرز يعيش وأسرته عيشة راضية في موسكو منذ أن تزوج سنة ١٧٤٢ وهو في الرابعة والثلاثين من عمره بالآنسة ليوبوف إسلافين، وكانت فتاة في السادسة عشرة. . .
كان هذا الطبيب الألماني الأصل موفور الرزق بما كان يكسب من حرفته ومن وظيفته في بلاد القيصر، وإن لم يك من ذوي الثراء الواسع؛ وكان له ولأسرته مكانة اجتماعية مردها إلى منصبه الرسمي الذي حصل فيه على لقب النبل جزاءاً على خدماته في القصر الإمبراطوري. . .
وقد أنجبت الزوجة الفتية لبعلها حتى سنة ١٨٦٢ ثلاث عشرة عاش منهم ثمانية، ومن هؤلاء ثلاث بنات كانت كبراهن واسمها إليزابيث في التاسعة عشرة، ويليها سوفيا وهي دونها بسنة، ثم تاتيانا وهي دون سوفيا بسنتين. . .
ولم تكن زوجة الطبيب بيرز إلا تلك البنت التي أحبها تولستوي وهو طفل، والتي أدت به الغيرة، ذات يوم، إلى أن يدفعها من شرفة فأصابها بالعرج زمناً غير قصير؛ لم تكن إلا إسلنيف الصغيرة التي عاشت في كنف أبيه، وقد ولدتها أمها لرجل يدعى الاسكندر إسلنيف عاشت معه بعد أن هجرت زوجها ولم تستطع أن تحصل منه على الطلاق.
وقد تعلم البنات على أيدي معلمين ومعلمات من ألمان وفرنسيين، وكان أبوهن يعدهن ليكسبن قوتهن بعملهن، ولذلك كن يتعلمن ليكن معلمات. . .
وقرأ البنات، وبخاصة سوفيا، كثيراً من الكتب. وكان لقصة ترجنيف الآباء والأبناء أثر عظيم في نفوسهن، وقد اشتد عطفهن على بطل القصة بازاروف.
وفي ربيع سنة ١٨٦١ نجحت إليزابيث وصوفيا في امتحان تبيح لهما الالتحاق بجامعة موسكو.
وكان البنات في غير أوقات الدرس يخطن ويطرزن وينظفن المنزل ويقمن على مختلف شؤونه، ويعلمن اخوتهن الصغار؛ ولم يكن يكدر عليهن صفو حياتهن إلا ما يكون أحياناً من