للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في الأقصر]

للآنسة الفاضلة (الزهرة)

لا أظنني أسترسل في عزّة تأخذني بالباطل إذا قلت: إن الأقصر يجب أن تعد بحق في طليعة المشاتي العالمية العظمى، فسماؤها دائمة الزرقة، وشمسها الساطعة التي تضفي على الأجسام أبراد الصحة والحياة، ونسماتها المنعشة المحيية، وزروعها الخضراء التي لا يكفي الخريف نضرتها بصفرته الذابلة، ونيلها السعيد المنساب في أحشائها يوزع عليها هدايا الخصب والبركة، وواديها الحافل بمقابر الملوك والملكات والأمراء والنبلاء، ومقابرها التذكارية التي تجلي الإنسانية في مثلها العليا ومبادئها السامية، وأطلال هياكلها الأثرية، بل قصورها الخالدة التي تقوم إلى اليوم وسط مبانيها الفخمة والمتواضعة، وتتيح لها اتخاذ اسمها الحاضر الأقصر (القصور) - كل هذا أو بعض هذا يجعلها محط رجال أهل الفضل والثقافة والنبل، يسعون إليها من مختلف الأقطار على أخفّ من جناح الطير. ولقد تسنى لي في الأسبوع الماضي أن أتعرف إلى نخبة من هؤلاء الأعلام، وأن أضع جانباً من وقتي واهتمامي بين يدي فتاة غريبة نابهة تعنى بدراسة أحوال هذه البلاد وتتغنى بأمجاد تاريخها وبدائعها. . . على أن أروع الصور وأوقعها في النفوس لا تكاد تستغني في استتمام جلالها عن الظلال القاتمة والألوان الغدافية، التي تمسّ أوتار الألم المتنبهة أبداً فينا، فقد عرض لي أثناء تجوالي مع هذه الرفيقة الفضلى ما ضاقت له نفسي، من شؤون دعتني إلى تحريك قلمي اليوم للفت نظر من بيدهم الأمر رجاء معالجتها استكمالاً لأسباب المجد الجدير بهذا المشتى عرض الأثري الخالد كيلا يشيح عنه قاصدوه، ويروا أن ما عانوه في سبيل الوصول إليه كان ضرباً من العبث المبين والجهد المستطير، وتنزيهاً لنا عن الانحطاط الذي رسختْ نسبته إلينا في أذهان أهل الغرب ولا يصح أن نبقى فيه متورطين، ولا سيما بعد أن أبدتْ صاحبتي إعجابها بمظاهرنا كلها التي تشهد بأننا قوم غمسنا في الترف، وحظينا بالنعم، ونهجنا الصراط السوي في التضامن والتكافل والكرم، بفضل ما تدره علينا بلادنا الخصبة. وقد سألتني يوماً عن أحياء الرعاع عندنا: هل فيها من مظاهر العوز ما تطير لمرآه القلوب، ويرسل في نواحي النفس جميعها لدغاً مؤلماً مسرفاً في الإيلام؛ فلم أخفِ عنها أن بالأقصر أحياء فقيرة كغيرها من بلاد الله؛ وإن كنت قد ذكرت لها أنها لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>