للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مصر في المعرض!]

- ١ -

أليس من حسن توفيق الله أن يجلس المفاوض المصري في قصر الزعفران، ومن ورائه مصر العالمة العاملة محشودة كلها بسودانها وصعيدها وريفها في المعرض! تشدد قوته بروح النهضة، وتؤيد حجته بدليل الحس، وتسند هيبته بروعة الواقع؟

أليس من الجميل عون الله أن يتألف من ذات مصر ومعناها على النحو الذي تراه في المعرض قياس عجيب الإنتاج، وقصيد قدسي الإلهام، وخطاب سحري البيان، ودفاع قوي الأثر، في الوقت الذي بسَّ فيه اللورد لويد عقاربه هنا وهناك، يلسعون بالتمائم، ويدبون بالأراجيف، ويُقَسِّمون رأيهم في الأمر على أن مصر بطبيعة ضعفها متخلفة لا تلحق وتابعة لا تستقل؟!

تعالوا يا طلائع الاستعمار، وصنائع الامتيازات، وثعالب الكرامة! هذه هي مصر الحقيقية قد عرضت عقلها ويدها في ستين فدانا من الأرض لتيسِّر لكم وسيلة الحكم، وتقصر عليكم مدى النظر؛ فلطالما خدعكم عن حقيقتها مغرورٌ يريد الحكم، أو منهوم يرغب المال، أو محروم يطلب الوظيفة.

زوروا المعرض الزراعي الصناعي تجدوا مصر التي لا تقرئونها في صحيفة، ولا تسمعونها في خطبة، ولا تبصرونها في مظاهرة، ولا تقابلونها في ملهى، ولا تحادثونها في حزب! هي تجري مع الزمن في سكون، وتعمل مع الطبيعة في صمت، وتتشقق عن ثمار النبو غ كما تتشقق الأكمام عن أريج العطر في هدوء الغسق!

زوروا أيها المفاوضون عن الحليفة المتجنِّية معرض الجزيرة قبل أن تدخلوا سراي العباسية، تلمسوا في كل ناحية من نواحي النشاط الصناعي ألف دليل ودليلا على نضوجنا المدني؛ لأن الإنتاج الزراعي إذا رجع إلى عمل الله وفطرته، فأن الإنتاج الصناعي مرجعه إلى فكرة الإنسان وقدرته؛ وقد عَدَوْنا ذلك الطَّور منذ سنين، وأصبحنا نُصَرِّف عمل الطبيعة، ونستخدم ثروة الأرض، ونساهم بحذق في ترفيه الإنسان

بين الهرم والنيل شاهدي القرون وعَيْني الأسلاف، احتشدت مصر الحديثة حكومةً وأمة، تقدم إلى أمْسها الحساب الذي يبرى الذمة، وإلى يومها الذي يجدد الطريق، وإلى غدها

<<  <  ج:
ص:  >  >>