من عادة الناس القول:(بأن الإنسان لا يحتاج إلا إلى مترين من الأرض، لكن هذه الحاجة هي حاجة الجثة الهامدة، لا حاجة الإنسان الحي الذي لا يكفيه إلا هذا الفضاء. لا يطلب الإنسان من الأرض قيد أقدام، ولا يطلب مسكناً، وإنما يطلب الأرض بأسرها، والطبيعة بسعتها، لكي تتفتح على آفاقها كل خصائصه ومزاياه بحريته؟)
هذا ما قاله - تشيكوف - عن أبحاثه ورسالته حين دخل الحياة الأدبية. ولد سنة ١٨٦٠، وبعد أن أنجز دراسته في جامعة بلده أتم دراسة الطب في موسكو حتى غدا طبيباً مشهوراً، لكنه أخذ يسأم هذه الحياة العملية، ويستهويه عامل الأدب. فنشر عدة أقاصيص في بعض الصحف، وكان يؤجر عليها، لأن موارده في العيش كانت ضئيلة. وقد جمعت قصصه الأولى ولم تكن مما تبعث على الرضا، لأنها قصص كتبت لاجتذاب القراء وتسليتهم في أوقات فراغهم، دون أن تنطوي على فلسفة معينة، أو غاية معلومة. لكن الكاتب سرعان ما تبلورت نفسه، واتسعت آفاق عقله، فترك ذلك الجو الصبياني، ودخل في جو ملؤه دراسة الإنسانية، وهذه الدراسة طوقت روحه بالحزن والكآبة. أضف إلى ذلك أن بلده كان يكابد عناء الحروب في الحرب الروسية التركية، هذه الحرب التي كان ثمنها تحرير بلغاريا مذ أوحت إلى الروس أنفسهم بإدراك حريتهم وأثارت في الشباب العزم للعمل على الوصل إلى هذه الحرية مهما بلغ الثمن وأرهقت المقادير. لكن هذا الأمل تحطم، وهذه الجهود ذهبت عبثاً، لأن الرجعية قد ظفرت، وبظفرها طارت الأحلام، فعرا النفوس شيء من الذهول أو التحذير، ومن كان في قمة العزيمة والأمل جاء انتكاسه عظيماً، ووشكان ما دب في هذه القلوب النشيطة دبيب اليأس والعجز، فمن القلوب من لاذ بالعزلة لوحده كأنه لا يريد أن يبدي جراحه، ومنها من اعتصم بالعمل ليذهل، ومنها من ظل يرسل الأنين تلو