لكي تقترب من قضية العلم الحديثة الخاصة بنظام الكون يجدر بنا أن نرجع إلى أولئك المخترعين العظام الذين ألموا بعلم الميكانيكا أمثال جاليلو وديسكارت ونيوتن، وعلى الأخص (نيوتن) أعظمهم جميعاً.
هؤلاء المفكرون لم يكونوا ضيقي الأفق في تفكيرهم، ولا كانوا محدودي التفكير (كأولئك الذين لم يخرجوا عن دائرتهم المحدودة، فلم يصلوا بسبب بين فلسفتهم وعلمهم وبين دينهم) ذلك أنهم واجهوا هذه المسالة كاملة واشتغلوا (بالتدين الطبيعي) فكانوا بذلك رجالاً كاملين في تفكيرهم، بينما كان أتباعهم أنصافاً. فلو أنهم لزمهم ذكر الخالق ومواجهة حقيقته، لفهم الطبيعة وإدراك أسرارها، فانهم لا يحجمون عن ذكره في علومهم.
لقد قيل: إن بحث نيوتن فيما وراء الطبيعة كان غير ناضج ومبايناً لما هو معهود في طبيعة علمه. والحقيقة أن نيوتن لم يكن فيلسوفاً - بمعنى الكلمة - ولكن تقاليد الفلسفة الأفلاطونية للعصور الوسطى التي جاراها في كامبردج في أيامه، هي قريبة للعبقرية العلمية أكثر منها للفلسفة السفسطائية التي تلت نيوتن.
لقد كان في وسع هذه التقاليد أن تعترف بميلاد العلم الحديث والإدراك الميكانيكي والرياضي الذي ساق أمامه آياته القابلة للتصديق مع علاقته بهذه التقاليد.
إن الدنيا في نظر نيوتن غير مفهومة المغزى بغير وجود (الله)، وعلى ذلك، فانه لا يحجم عن ذكر الله في طبيعياته وفلكه، وهو يوضح لنا فكرته في الله من الصفات التي يصفه بها: كالأبدية، والأزلية، والقدرة على كل شيء، والعلم بكل شيء. . . وهي صفات مستعارة من علم اللاهوت في العصور الوسطى، غير أن القدرة على كل شيء من وجهة نظر نيوتن لها معناها الطبيعي المادي، كما لها معناها الروحي.
(هو قادر على كل شيء، ليس نظريا فقط، ولكن مادياً أيضاً، لأن الفاعلية لا تعيش في رأيه ولا تستمر بغير المادية، فمنه - كما يقول نيوتن - تتكون كل الأشياء وتتحرك، ومع ذلك فهي لا تؤثر فيه، وهو لا يؤوده شيء من حركة الأجسام، كما أن الأجسام لا تقوى