يعف كل متأدب الشاعر الفرنسي المشهور لافونتين ومنظومته المعروفة (الأمثال) ولكن من تتبع المصادر التي أخذ عنها هذا الشاعر أمثاله، يتبين أن معظم هذه القصص المنظومة التي حكى أكثرها على لسان الحيوان، مأخوذة من مصادر شرقية ولا سيما كتاب كليلة ودمنة وأشباهه. نقلت هذه القصص إلى أوربا قبل عصر لافوتين بالتراجم اللاتينية أو على ألسنة التجار والمسافرين، وتناولها هذا الشاعر فغيرها لتلائم أذواق بلاده، ثم صبها في قالب من الشعر الفرنسي السلس. وتبع هذه الطريقة شاعر فرنسي آخر أسمه فلوريان بعد لافونتين بنصف قرن.
وليس قصدنا أن نبحث في هذا الموضوع انكشف عن مرجع كل قصة من أمثال لافونتين، وإنما نريد هنا أن نقتصر على واحدة من أكثر هذه الأمثال ذيوعا، وهي قصة الذئب والحمل التي شاعت حتى طبقت الآفاق وصارت مثلا لتجني الأقوياء على الضعفاء.
وكان كاتب هذه السطور يصحح كتاب (طبقات الشعراء المحدثين) لأبي العباس عبد الله بن المعتز الذي تطبعه لجنة ذكرى جب في إنكلترا، وسيظهر عما قريب، فألفيت الحكاية نفسها في قصيدة لربيعة الرقي أحد الشعراء المحدثين، وعلمت أن هذه الحكاية أيضاً مقتبسة من القصص الشرقية القديمة التي كانت شائعة عند المسلمين في عصر ربيعة الرقي وعنهم نقلها أهل أوربا، فنظمها لافونتين واشتهرت في تلك الأقطار
وقد رأيت أن هذه المسألة لا تخلو من فائدة، وأن ديوان ربيعة الرقي أحد شعراء الغزل المشهورين في عهد هارون الرشيد غير مطبوع فاستحسنت أن أقدم إلى قراء الرسالة الكرام قصيدة ربيعة المشتملة على هذه القصة وهي هذه: