كانت دار الحاج إبراهيم، بطرف القرية الصغيرة الهادئة، تشهد مرحا فوق العادة من صغار ساكنيها وأحاديث اهتمام من كبارهم. فهذا أحد أبناء الحاج إبراهيم، في العاشرة من عمره، لبس جلباباً جديداً، وراح ينظر مبتهجاً إلى خطوطه الزاهية الألوان، ويجد في هشاشة جدته أعظم نشوة وطرب، وعلى رأسه طاقية من القماش نفسه، وفي رجله الحذاء الذي يلبسه في الأعياد. وهذا أخوه محمود، يصغره بسنتين، وهو صورة مصغرة منه في الجسم والثياب. وهذه أختهما الصغيرة سعدية، تضحك فرحة بجلبابها الأحمر، وعلى رأسها المنديل الجديد الفاقع الاصفرار.
وجلس الحاج إبراهيم على المصطبة بمدخل الدار، يبرم مغزله بإصبعيه، ويلاحق استطالة الفتلة بالصوف المنقوش، ويخاطب امرأة فيلقي إليها بأوامره ويبادلها الرأي والجدل في اهتمام واغتباط.
إنهم معتزمون السفر إلى مصر، يعني القاهرة لزيارة آل البيت بمناسبة مولد السيدة زينب، وليوفوا نذراً عليهم لها طال تأجيلهم إياه عاماً بعد عام، وليقضوا بضعة أيام عند قريبة لهم نزحت إلى القاهرة واستوطنتها منذ بعيد.
فلما دخلوا على قريبتهم ومعهم مقادير من الزاد ذي الروائح الشهية والطعوم اللذيذة من فطائر ريفية وقشدة وما إليها رحبت بهم أعظم ترحيب. ثم جلسوا يتذاكرون الماضي، ويستعرضون أحوال الأقارب والأنسباء واحداً واحدا وواحدةً واحدة، ثم أخذ الضيوف يبدون إعجابهم بما رأوا في المدينة الكبيرة من عجاب وجمال، يراه الحاج إبراهيم للمرة الثانية في حياته وتراه امرأته وأبناؤهما للمرة الأولى، تلك الأضواء المتلألئة والعمائر الباذخة والمتاجر الزاخرة وزحمة مواكب المركبات والخلائق التي لا تني ولا تنتهي، وكل ما فيها مسرع عجل كأنما يسابق الذي أمامه ويفر مما وراءه، وكأن حياته على الأرض ليست سوى ثوان فهو يستغلها على هذا النحو طيراناً ونهباً.
وفي الصباح بكر الضيوف إلى الخروج، ليؤدوا الزيارة ويفوا النذر، ويملأوا عيونهم من