أما الشاب فأديب قانع من الأدب بتذوقه وتلذذه. قرأ أكثر ما كتبه المتقدمون، فلما كتب المتحدثون عزف عن القراءة، ولم يجد ما يبرر به هذا العزوف إلا أن يقول لم يعد في البلد أدب، أصبح هم الكاتب أن يكتب عن الحب والمرأة، كأن الدنيا قد خلت من كل شيء إلا الحب والمرأة. . فلم يعد فيها مجال للمثل العليا ولا نصيب للموعظة الحسنة. . أين كتاب الأدب القديم وشعراؤه؟ أين فلسفة المعري، وحكمة أبي تمام، وأمثال المتنبي؟ أين روائع ابن العميد، وبدائع عبد الحميد، ورقائق ابن الزيات؟ رحم الله الأدب!
وهكذا كان يعزي الشيخ نفسه عناجتوائها حديث الشباب، حديث الحب والمرأة.
وأما الشاب فهو ابنه، أراده على أن يكون أديباً فكان، ولكنه كان على غير طراز أبيه. . كان الأب يؤثر الأدب القديم ويجب أن ينهل ابنه من موارده، فأخذ يحفظه الأشعار المختارة لعباقرة الجاهلية والإسلام؛ ولكن ابن القرن العشرين لم يكن ليحتمل أن يقرأ كل كلمة مرتين: مرة في الكتاب ومرة في المعجم. فكره الأدب القديم بعد أن تزود منه ما يكفيه أساساً ونبراساً. ولما رأى أبنه تارك الأدب لو بقى مقصوراً على قدميه سمح لح أن يقرأ ما يشاء، فقرأ أكثر ما كتب في الأدب الحديث.
وأما الفتاة فهي زوجة الشاب، وهي أيضاً أديبة بفطرتها، لم توجه نفسها توجيهاً معيناً، ولكنها مع ذلك ذات حس فني دقيق وذوق أدبي مرهف.
أسرة تربطها أواصر القرابة والنسب، ثم توثق هذه الرابطة بينها رابطة الأدب. . أحببت هذه العائلة وأصبح من بواعث الغبطة في نفسي أن أزورها كلما تهيأت لي الفرصة. . وكان أن ذهبت، فوجدت (الرسالة) بين أيديهم، وكانت بها الحلقة الثالثة من (قصة فتاة). . وهي التي يصف فيها الأستاذ الزيات الفتاة حبيسة في الغربة، تلح عليه أن يجاوبها حباً بحب، لا حباً بنصيحة. ويصفها بقصتها مع الجاموسة، ثم بروايتها مع ابن البستاني.
رأيت الشيخ يتوثب على كرسيه، وقد رده الحنق شاباً؛ ورأيت الفتاة مهتاجة فكأنما هي صاحبة القصة، وكأن (س) اسمها الحقيقي؛ ورأيت الشاب يكتم فرحة تفيض على محياه، فبدا في وقاره وكأنه الشيخ. . . وعجبت أن يغضب الشيخ والفتاة لسبب واحد؛ إذ العادة أنه