عندما أخرج الشاعر الأديب محمود حسن إسماعيل ديوانه (أغاني الكوخ) وكان لي حظ الاشتراك في حفلة تكريمه كان أهم ما دارت حوله كلمتي التكريمية أن الشاعر صادق الحس مشبوب العاطفة قوي الإيمان ينتزع الأخيلة من أطواء وجدانه في غير افتعال أو تعمل، وأنه يمثل الريفي المؤمن الصادق الأحاسيس الذي يقبس من جلال المناظر الطبيعية خير ما تختلج به نفسه الجياشة بحب كل ما هو طبيعي لا أثر للصنعة الزائفة فيه
وأخيراً جاء ديوانه الثاني (هكذا أغني) صورة صادقة تؤيد ما ذهبت إليه في كلمتي الأولى وتعزز تلك النظرة الصائبة التي لم تخب فيما خرجت به من دراسة شاعر الشباب النابغة
وأنا في هذا البحث العاجل أحب أن أنتزع من الديوان الأخير صوراً فاتنة تؤيد ما ذهبت إليه يوم قام الأدباء من الشباب يحتفلون بذلك القبس الباهر الذي كشف عن درر الشاعر الفذ
ميزة تفرد بها الشاعر محمود ولم يجر فيها على منوال كثير من شعراء كل مناسبة يأتي من ورائها الغنم والفائدة! تلك ميزة الوفاء لنفسه والإخلاص لمشاعره والاعتداد بشعره؛ فلم يكن يوماً بوقاً للظروف أو أداة للملابسات، بل ظل الشاعر الرفيع الإحساس المترفع بشعره أن يتلمس جوانب النفع ووجوه الاستغلال أينما ساقتهما الأقدار أو دفعت بهما الرياح وفي ذلك يقول الشاعر لمليكه:
للشاعرين بلاغة فضفاضة ... حشدت بلفظ في الحلوق مجلجل
وأنا الذي شعري نفاثة مهجتي ... سكبت جداولها بهمس السنبل
يوم الفخار سنلتقي. . . أنت العلا ... وأنا الصدى في ظل عرشك! فأصغ لي
أنظر إلى محمود الشاعر الريفي الذي يلوذ بأذيال الخمائل يقتطف منها شذا الزهور،