يعبر الأدب عن شتى خوالج النفس وخواطر الذهن، ويصف تأثر النفس بمختلف صور الحياة وظواهر الكون وصروف الدهر، وكلها أمور لا يحد مداها ولا تحصى مذاهبها، ومن ثم لا تحد ولا تحصى أشتات الموضوعات التي يعالجها أدب أمة من الأمم في مختلف عصوره، فأدب الأمة الحي يشمل أطراف حياتها المترامية، مما يوحي به التدين والورع إلى ما يمليه التبذل والاستهتار، وما يمليه الحزن والألم إلى ما توحي به الغبطة والسرور، وما يدعو إليه التفكير والتأمل الرزين أو يحمل عليه التفكه والتندر، ومن كل ما يبعث إعجاب الإنسان ورهبته وخشوعه أو يثير احتقاره أو نفوره، ومن كل ما يوقظ حب الاستطلاع والدرس والمعرفة المركب في طبع الإنسان، ويمتد مجال الأدب حتى يختلط بشتى فروع العلم في بعض أطرافها
على أن موضوعات الأدب وإن تعذر استقصاؤها يتجمع أكبرها وأخطرها شأنا حول مواضيع رئيسية يكثر طرقها ويعزى إلى واحد منها كل أثر من آثار رجال الأدب، كالنسيب والرثاء مثلا؛ كما أن أدبا قد يختلف عن أدب في فن يحتفي به ولا يكاد يوجد في غيره، أو فنون يدمن طرقها دون غيرها، بل يختلف الأدب الواحد في عصر من عصوره عنه في عصر آخر من حيث فنون القول التي يحتفي بها ويقدمها على غيرها. فالبيئة والعصر يتركان أثرهما في فنون الأدب التي تحظى بالرواج والإقبال: ففي عصور الجهاد والصراع مثلا تسود أشعار الحماسة وتمجيد الحمى والأبطال؛ وفي عصور النزاع بين المادية والترف وبين الدين والتقاليد، تكثر آثار المجون والزيغ من جهة، وآثار الوعظ والزهد من جهة أخرى؛ وعصور البداوة تتسم آثارها بالسذاجة والعاطفة المتدفقة، وعصور الثقافة تمتلئ آدابها بآثار التأمل والأزمات النفسية؛ وكلما ارتقى المجتمع وصدق أدبه في التعبير عن حياته كثرت فنونه التي يطرقها، وطال طرقه للفنون الرئيسية التي تمت إلى