- قال سُراقةُ: ما أحوجني إلى عشرين! فكيف السبيل إلى مائة؟
- قال: ترد على قريش صاحبها، فقد خرج من مكة حين مكرت به قريش وأجمعت على قتله، مهاجراً إلى المدينة، فبثت قريش عيونها في سبل مكة وشعابها، وبعث رسلها فنفضوا الصحراء نفضاً فما وقعوا له على أثر، فعادوا إلى قريش بالاياس منه، فأذنت قريش في العرب، أن من رد علينا محمداً فله مائة من الإبل، وقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفاً، وإني لأراهم طلبة قريش. . . فهل لك أن نلحق بهم فنردهم إلى مكة ونأخذ مائة الناقة فنقسمها بيننا؟
فرقص قلب سراقة فرحاً، ولعب به الطمع؛ وكان سراقة ابن مالك الجعشمي رجلاً متعفرتاً متشيطناً، فعقد النية على أن يستأثر وحده بالغنيمة حتى تكون خالصة له، فقال لصاحبه:
- ما هؤلاء من تريد، هؤلاء بنو فلان ينشدون ضالة لهم.
فصدق الرجل وانصرف، وذهب سراقة فجلس في نَدِىّ قومه كما كان يجلس كل عشية فما اطمأن به مجلس، وما وعى من أحاديث القوم شيئاً، وإنما كان يخيلُ إليه أنه يرى قطاراً طويلاً من الإبل يمر أمامه، ويدور من حوله، فيخفق لمرآه قلبه، وتتحلب أشادقه. . . ثم طمي به الطمع، فبرح النادي إلى بيته، يلوص بعينيه آفاق المستقبل، ويقلب أوجه الممكن ويفكر في مائة الناقة.
أيملكها حتى تكون طوع أمره يصرفها كما يشاء فتلد، وتتكاثر فينحر منها، ويطعم الجائع، ويقري الضيف، ويرفد الوافد فيسير ذكره في العرب، وتنتجعه الشعراء، وتمسي بمدائحه الركبان؟ أم هو لا ينالها، ولا يفيد من سفره إلا لذع الشمس، وبرح العطش، وطول التعب؟. . .
وامتد به التفكير حتى ما يكاد يخرج منه، ولا يكاد يستقر على الرأي لحظة حتى ينتقل إلى