كان سيباي من تلك الزمرة الممتازة من الرجال الذين تملأ قلوبهم الدوافع النفسية للعمل والحركة ولا ترضى بغير المعالي والقيادة والسيادة، وكان شجاعاً إلى أقصى حدود الشجاعة لا ترهبه الأخطار، وصريحاً إلى أقصى حدود الصراحة لا يبالي بما تأتي به صراحته من خير أو شر، ما دام في ذلك إرضاء لنفسه. فكان لا يلين إذا قام عالم من الناس يحاربه أو يؤذيه أو يحط من قدره. ولا يهمه إذا وجد نفسه وحده، يدافع ويناضل عما يقول ما دام الحق في جانبه.
وبهذا وحده يمكن تفسير مواقفه مع الغوري ورسائله إليه وصراحته؛ فلولا قوة أخلاقه وجرأته لأظهر ليناً وسياسة وكياسة ولا نطوي انطواء الغزالي وخير بك وغيرهما وترك العاصفة تمر واكتفى بفتات الموائد؛ ولكنه كان قوة والقوة تنتصر ولا تلين.
ولم يكن ينقصه شئ من الذكاء والنجابة ليحل المكانة الأولى بين رجال الدولة المصرية. ولو قدر لها وعاشت لكان لبطلنا شأن فيها ولذكر اسمه في التاريخ بين الخالدين من رجالنا.
ولم تحرمه الدنيا في السنين التي قضاها فيها من شئ، فقد أوتي من الهيبة والقوة والنفوذ والاحترام والعلم الشيء الكثير، كما ابتلته الأيام فلم يسلم من كيد الناس ودسهم ولا من نكد الدنيا ومقارعة الزمن وكان في كلتا الحالتين صبوراً:
وقد أجمع المؤرخون على أنه رجل يعد برجال.
أصل سيباي من رجال قايتباي وأعتقه وجعله من أمراء جند مصر، ثم أخذ يرقى إلى أن تولى وظيفة كافلي الممالك الحلبية وهي بدرجة أمير ألف، وذلك في عهد الغوري. وكان الأتابكي قيت الرحبي يوم بويع الغوري بالسلطان أمير سلاح، وهو الذي تقدم ومعه الأمير مصر باي وأخذا بيد السلطان بالبيعة وناديا باسمه وهو يمتنع، فبايعه الأمراء والقضاة وغيرهم - فحدثته نفسه بعد حين أن يتسلطن، وكتب إلى نواب مصر بالشام، والى سيباي