بحلب، فاشتبك الأخير مع نائب القلعة وحاصره وقاتله فاحترقت بسبب الحصار المدرسة الظاهرية الشهيرة بالسلطانية وقتئذ، فنذر سيباي أن يبني مدرسة مثلها. وقد بر بوعده وبنى جامعه الذي زرناه. في إبان هذه الفتنة تغير قلب الغوري من جهة سيباي فعزله ثم عاد فضمه إليه وأنعم عليه بإمرة السلاح بالقاهرة.
وفي شوال ٩١١ عين سيباي ثانياً بالشام، وكان الغوري في نفسه أشياء منه؛ فهو يعلم بأنه بطل من أبطال الحروب لا يخطر الموت على باله، علاوة على أنه من أشجع فرسان مصر وأنجبهم ومن ذوي العزم الشديد ولكنه كان يتخوف منه ويخشاه ولذلك رسم له أن يتوجه إلى دار الأمير أزدمير الداودار وإن يقابله هناك أمير المؤمنين الخليفة المستمسك بالله يعقوب والقضاة الأربعة وبعض الأمراء، فإذا انعقد المجلس اخذوا عليه المواثيق والإيمان بالطاعة لسلطانه؛ وقد تم ذلك. ثم لبس الخلعة وخرج بموكب من القاهرة وهو يحمل التقليد بنيابة دمشق.
ويرجع ذلك الشك لأمرين ما سبق من تحالف سيباي وانضمامه لحركة قيت الرحبي المطالب بالعرش، وبما اتصل إلى علم الغوري من بعض المنجمين من أن الذي يلي الحكم بعد الغوري يبدأ اسمه بحرف السين. فأخذها السلطان على سيباي وتطير من اسمه، وأصبح لا يأتمنه ولا يصغي لنصائحه ولا يأخذ بأقواله.
ولما تولى سيباي النيابة عن مصر بالشام واضطلع بالأمور حتى علم بما بين خير بك نائب مصر بحلب والسلطان سليم العثماني من اتصالات مكتومة وبالمكاتبة، فأبلغ الخبر فوراً إلى بلاط القاهرة؛ ولكن الغوري لم يأخذ الأمر جدياً بل اعتمد على قوة المصريين في الحروب وثقته بما سبق أن أبدوه من البسالة في حروبهم أيام قآيتباي وانتصاراتهم المتتالية بقيادة (أمير الجيوش) أوزيك أتابك العساكر المصرية. ثم لعدم ارتياحه لكل ما يأتي من حامل حرف السين. وأخيراً لأن خبر بك نائب حلب وسيباي كان يشغل هذا المنصب قبله ولابد أن بين الأميرين أشياء.
ولم يكن ذلك من المصلحة لأن التغاضي عن نائب حلب جرأ الغزالي نائب حماه الذي قلد زميله في الشمال ولم يحدث طول تاريخ مصر أن تجرأ العمال والنواب على الاتصال بالأعداء كما حدث في تلك الأيام، بل يذكر لنا التاريخ بعض الأمراء الذين حاولوا شيئاً من