وحين ندرس نفسية هذا الظريف من خلال قصصه ونوادره - وهي غاية ما وصل إلى أيدينا من حياته - سنضطر إلى ذكر بعض مداعباته لنستدل بها على شيء مما نراه. ومن تلك المداعبات التي نشير بها إلى ما كان من انسجام بين أبي دلامة وزوجته اشتراكهما في خداع المهدي وزوجته الخيزران: فقد دخل أبو دلامة يوماً على المهدي وهو يبكي. فقال له مالك؟ ماتت أم دلامة، وأنشده فيها:
وكنا كزوج من قطاً في مفازه ... لدى خفض عيش ناعم مؤنق رغد
فأفردني ريب الزمان بصرفه ... ولم أر شيئاً قط أوحش من فرد!
فأمر له بثياب وطيب ودنانير، وخرج. فدخلت أم دلامة على الخيزران فأعلمتها أن أبا دلامة قد مات فأعطتها مثل ذلك، فلما التقى المهدي والخيزران عرفا حيلتهما فجعلا يضحكان لذلك ويعجبان منه.
ومثل هذا الاشتراك في الخداع الذي كان يمضي طليقاً حتى يصل إلى الخليفة وزوجته - يدل على تفاهم عميق بين الزوجين، وعلى وحدة في نظرتهما إلى الحياة، فكأنهما يشرفان على العالم من منظار واحد فيه مرح النكة، ولطف الدعابة.
وهنا نرغب في معرفة اسم هذه المرأة الخبيثة - زوجة شاعرنا الظريف - فتضن به علينا المصادر كأنها لا ترى في ذكره فائدة.
ونعلل هذا - كما يبدو لنا - بأن أمثال هذا الظريف تروى في كتب الأدب حياتهم للإشارة إلى جانب يستحق الدراسة فيهم وهو ظرفهم ومرحهم وسلاطة ألسنتهم، وما بعد هذا الجانب فأمور تتعلق بأحدهم من قريب أو بعيد كما تتعلق بآحاد الناس فلا تستأهل الدراسة، ولا تستحق التسجيل.
لذلك سنمر - في أثناء عرضنا لحياة أبي دلامة - مروراً رفيقاً بما يتصل بأسرته، فنعلم