أنه كان له أولاد غير دلامة وأن فيهم بنتاً قبيحة ولكنا لا نعرف أسماءهم، ولا نحاول أن نعرف ما إذا كان له أخوة، فقد سكتت عن هذا كله النصوص التي بين أيدينا. ولكن الذي يجدر بنا أن نعرفه منزلة هذا الظريف لدى أبي العباس السفاح، وأبي جعفر المنصور والمهدي أيام انقطع إلى مجالستهم ومناداتهم.
ويبدو أنه كان رفيع المكانة لدى السفاح، وأنه - للطف محله منه - كان ينال ما يشاء من المطالب ولا سيما إذا أحسن في أسلوب الطلب: من ذلك أنه وقف يوماً بين يدي السفاح - فقال له: سلني حاجتك. قال أبو دلامة: كلب أتصيد به. قال: أعطوه إياه. قال ودابة أتصيد عليها. قال: أعطوه دابة. قال: وغلام يصيد بالكلب ويقوده. قال: أعطوه غلاماً: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه. قال: أعطوه جارية. قال: هؤلاء يا أمير المؤمنين عبيدك فلابد لهم من دار يسكنونها. قال: أعطوه داراً تجمعهم. قال: فإن لم تكن لهم ضيعة فمن أين يعيشون؟ قال: قد أعطيتك مائة جريب عامرة ومائة جريب غامرة. قال: وما الغامرة؟ قال: ما لا نبات فيه؟ قد أعطيتك أنا يا أمير المؤمنين خمسمائة ألف جريب غامرة من فيافي بني أسد. فضحك وقال: اجعلوها كلها عامرة. قال: فائذن لي أن أقبل يدك. قال: أما هذه فدعها. قال: والله ما منعت عيالي شيئاً أقل ضرراَ عليهم منها.
فانظر في هذه القصة - إلى مكانة أبي دلامة لدى السفاح، تلك المكانة التي تهيئ له أن يجاب له كل طلب بعد أن يصير عليه الخليفة فلا يسكته، بل يتقبل جرأته ويثيبه عليها فيجزل ثوابه، ثم انظر - كما قال الجاحظ - (إلى حذقة بالمسألة ولطفه فيها: ابتدأ بكلب فسهل القصة به، وجعل يأتي بما يليه على ترتيب وفكاهة، حتى نال ما سأله بديهة إليه!)
وكما أحسن السفاح إلى أبى دلامة الظريف مقيماً على الوفاء له يمدحه في كل مناسبة ويذكره بكل خير، بل لقد أقام يذكر جميله حتى بعد موته، فرثاه بأبيات كثيرة. ومما قاله في قصيدته الهمزية:
وكنا بالخليفة قد عقدنا ... لواء الأمر فانتفض اللواء
فنحن رعية هلكت ضياعاً ... تسوق بنا إلى الفتن الرعاء
ولم يكتف بهذا، بل إنه دخل على المنصور والناس عنده يعزونه في السفاح فأنشأ يقول:
أمسيت بالأنبار يا ابن محمد ... لم تستطع عن عقرها تحويلا