حياة الأديب - الصديق - قلدوا قلدوا - الشيخ المراغي -
النحو والنحاة بين الأزهر والجامعة
حياة الأديب
دعيت لإلقاء خطبة في تأبين المرحوم عبد الحميد الديب فأجبت، وكانت نيتي أن أقول رأيي علانيةً في الحياة التي يحياها مثل ذلك الأديب، لئلا يكون الإكثار من الثناء عليه إغراء لذلك اللون من الحياة القفراء
ثم رأيت الحفلة فوق ما كنت أنتظر، فقد اشترك فيها خطباء وشعراء من الطراز الجيد، وحضرها جمهور من أفاضل الناس، وتلى فيها خطاب أرسله وزير الشؤون الاجتماعية وخطاب أرسله وزير الأوقاف. وتلك مظاهرة أدبية تمنع ما أردت أن أقوله في نقد الحياة التي اختارها ذلك الشاعر المسكين
ولكن هذه المظاهرة بدت لي باعثاً جديداً على أن أقول ما نويت أن أقول، فقد تجسم التخوف من شيوع البوهيمية بين فريق من أدباء الجيل الجديد، وخفت أن تكون هذه المظاهرة دعوة إلى تحلل الأديب من واجبات الحياة في نظامها اللائق بأهل البيان
وكذلك انطلقت فقلت: إن عبد الحميد الديب كان على جانب من الأدب والذكاء، ولكنه ظلم نفسه حين انخدع بالرأي المنحرف، وهو رأي من يتوهمون أن البؤس يذكي المواهب، ويزيد من يقظة العقول. وقد آمن بهذا الرأي إيماناً فرض عليه أن يجعل همه في الوصول إلى الظفر بلقب (شاعر البؤس)، وهو لقب لا يتمناه لنفسه إلا من حرم نعمة التوفيق. وماذا جنى عبد الحميد الديب من ذلك اللقب الطنان! كل ما جناه أن يعيش في رحمة المترحمين، ولا يحتاج إلى الترحم غير المساكين، وإذا كان الأدب لا يمتع أهله لغير المسكنة فعليه اللعنة إلى يوم الدين!
ثم قلت:
أين الشريعة التي توجب أن نذل أنفسنا في سبيل الأدب؟