ويجب ألا يغرب عن الذهن أن المترافع ملتمس، فلغته يجب أن تكون لغة التماس يحوطها الاحترام الكلي للهيئة التي يترافع أمامها. قد يكون أغزر من سامعيه علماً وأظهر فضلاً، وقد يكون كلامه لهم تعليماً، ولكن عبارته يجب أن تكون عبارة إكبار وإعظام.
والاحترام والإكبار لا يقتضي التذلل ولا الضعة في توجيه الخطاب. وشد ما أكره عبارة (سيدي البيه) يوجهها بعض الزملاء إلى قاض ليس (بيكا) ولا هو بحاجة إلى رتبة تخلع عليه على سبيل التأدب الزائد وقد يحمل خلعها على أنه زلفى وتقرب.
وفي الوقت عينه لغة جرأة
على أنه إن كانت لغة المرافعة لغة تعظيم وتوقير فهي في الوقت عينه لغة عزة وجرأة. وقد روى التاريخ مواقف للمحامين رقوا فيها إلى درجة البطولة. أنظر إلى ديسيز وقد دعاه لويس السادس عشر إلى الدفاع عنه أمام الجمعية التأسيسية في وقت جمعت فيه هذه الهيئة في يدها جميع السلطات، وأصبح مجرد الإشارة إلى الملوكية جريمة. أنظر إليه وهو يواجه هيئة ضمنها أمثال روبسبيير ودانتون ومارات. أنظر إليه وهو يقرع أسماعهم وقلوبهم بهذا الخطاب الخالد.
(أيها المواطنون! سأخاطبكم بلسان الرجل الحر. إني أبحث بينكم عن قضاة فلا أجد غير متهمين.
أتريدون أن تجعلوا من أنفسكم قضاة (للويس) وأنتم خصومه؟ أتريدون أن تجلسوا للحكم في قضية لويس ولكم فيها رأي يجوب أوربا من أقصاها إلى أقصاها؟
أيكون لويس الفرنسوي الوحيد الذي لا يحميه قانون ولا يتبع في محاكمته إجراء واحد صحيح؟