إذا تحدث الأدباء فيما بينهم عن جحيم دانتي. فإنما يريدون تلك الكوميدية التي لم تقصر نفسها على الجحيم تذكر طبقاته وحراسه ومعذبيه، بل ضمت جوانحها ثلاث نواح: الجحيم ' المطهر أو الأعراف والفردوس ودانتي في كل ذلك يبلغ نهاية الإجادة. بيد أنه في وصف الجحيم كان اكثر إسهاباً وأشد قوة، فطعى اسم الجحيم على الرواية كلها واستأثر بالاسم وحده بين كثير من المتأدبين.
ولكن المعري لم يعن بجهنم كما عنى بالفردوس. ولم يسهب في وصفها كما أسهب في وصف الجنة. ولعله ما كان يريد أن يعرض للجحيم لولا رغبته أن يتم لابن القارح نعيمه. وأن يعظم شكره. فقد قال المعري بعد أن استكمل لابن القارح كل لذائذه في فراديس الجنان: ويبدو له أن يطلع على أهل النار فينظر إلى ما هم فيه ليعظم شكره على النعم بدليل قوله تعالى (قال قائل منهم إنى كان لي قرين. يقول ائنك لمن المصدقين. أئذا متنا وكنا تراباً وعظاما أئنا لمدينون. قال هل أنتم مطلعون. فاطلع فرآه في سواء الجحيم. قال تالله إن كدت لتردين. ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين) فيركب ابن القارح بعض دواب الجنة، ويسير بها صوب الجحيم معرجاً في طريقه على (جنة العفاريت) يلتمس من أشعار أهلها متحدثا (مع الخيثعور أحد بني الشيصبان، ومع أبي هدرش) مارا على الحطيئة عند شجرة قميئة، وليس عليه نور سكان أهل الجنة فيسائله عن سبب دخوله الجنة فيقول له الحطيئة: بالصدق في قولي:
أبت شفتاي اليوم إلاتلكما ... بهجر فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجها شوه الله خلقه ... فقبح من وجه وقب حامله
ثم يغذ في سيره حتى يشرف على جهنم فيرى امرأة تطلع على من فيها. فيقول لها من أنت؟. فتقول: أنا الخنساء السليمة. أحببت أن انظر إلى صخر. فاطلعت فرأيته كالجبل