وأما الفريق الآخر، فقد دعا إلى النقيض - كما فعل نيتشه فيما بعد - الست ترى من الناس فيلسوفاً عبقرياً بجانب الغبي الأبله، أليس منهم الضعيف الخائر إلى جانب القوي ذي العود الصلب؟ إذن لم تسو الطبيعة بين الأفراد، كلا ولا الأخلاق ابتكرها القوي إنما هي على النقيض من ذلك، خدعة أوحى بها الضعيف ليحد من قوة القوي وسلطانه. . ولا يتردد هذا الفريق في الدعوة إلى الأرستقراطية في الحكم، وهذا الهجوم العنيف على الديمقراطية وحكمها يصور لنا نهوض جماعة من الأغنياء الأذكياء، أرادوا أن يغتصبوا من الشعب النفوذ والسلطان، بحجة إفلاسه في إدارة البلاد
فأنت تستطيع أن تسخر من مذهب السفسطائيين، ومن حقك أن تهمله اهمالا وان تنبذه نبذ النواة، لانه خطر على الاجتماع، خطر على الأخلاق، خطر على العقائد، خطر على كل نواحي الحياة الإنسانية، لأن قوام هذا اليقين والإيمان في مجموعة من الحقائق التي تفرض على الناس فرضا، سواء صادفت هوى من نفوسهم أم لم تصادف، أما أن يكون الأفراد أحراراً في اختيار الفضائل التي تتفق وأهواءهم فانحلال وفوضى، يقوضان أركان المجتمع في يوم وليلة.
تستطيع أن تقول هذا فيما ذهب إليه السفسطائيون، ولكنك لن تستطيع ان تنكر عليهم أنهم كانوا مرآة مجلوة انعكست عليها صورة الحياة في عصرهم، فقد تعددت العقائد الدينية فشك الناس في صحة الأديان، وقد تعددت الآراء الفلسفية فشك الناس في ثبوت المعرفة. وقد برهنت الديمقراطية في أثينا على أنها عاجزة بعض العجز عن تصريف شئون الدولة فتزعزع الإيمان في أسلوب الحكم
شك في الدين، وشك في المعرفة، وشك في نظام الحكومة، لا يمكن أن يلد إلا طائفة كهؤلاء السفسطائيين، ينكرون الحقائق جملة، ولا يؤمنون إلا بالمنفعة الشخصية والحقيقة الذاتية.
ولكن أراد ربك ألا يطول الأمد لهذا الانحلال الفكري، فسلط عليه ذهناً عاتياً جباراً، ما زال به نقدا وإصلاحاً، حتى أمحى وخلص من شره الانسان، ومن يكون هذا غير سقراط!؟