عاش أبن خلدون المغربي المسلم في القرن الرابع عشر، وتأمل التاريخ فوضع موسوعته الخالدة (المقدمة)، وهي أول بحث علمي منظم في الاجتماع، وبعده بأربعة قرون جاء منتسكيو الفرنسي المسيحي بكتابه (روح القوانين) أستغرق في وضعه عشرين عاماً قضاها في دراسات واسعة في المجتمعات وظروفها السياسية والاجتماعية والدينية التي تحدد قوانينها.
عني أبن خلدون بالاجتماع الإنساني وما يلحقه من العوارض والأحوال كما أهتم منتسكيو بالمناخ والدين والقوانين والنظم الحكومية والتقاليد والعادات والأحوال المعيشية، وكلها أمور تتحكم في المجتمع وتؤلف (الروح العامة) وهي ما يحدد خصائص الأمة، ويميز شخصيتها عن سائر الأمم. وبمقتضى هذه الروح العامة يجب أن تسن القوانين (ويجب أن تكون القوانين ملائمة للشعب الذي من أجله سنَّتْ بحيث إذا لاءمت شعباً آخر غيره كان ارتباك عظيم. . . ويجب أن تكون متمشية مع طبيعة البلد ومناخه. . . ومع طبيعة أرضه وموقعه وأتساعه، ومع نوع المعيشة التي يعيشها الشعب من زراعة أو صيد أو رعي، ويجب أن نتفق أيضاً مع مقدار الحرية التي كفلها الدستور، ومع ديانة السكان وميولهم وثروتهم وتعدادهم وتجارتهم وعاداتهم وأحوالهم العامة. . . في كل هذه النواحي يجب أن نعالج القوانين).
وينشأ الاجتماع الإنساني - في رأي أبن خلدون - عن الإحساس بالضعْف من جانب الفرد في الحصول على الغذاء والسلاح، وعن الظلم والعدوان مما لا يزال عالقاً بالنوع الإنساني. أما منتسكيو فيرى أن ما يقرب بين الحيوان وأفراد جنسه إنما هي بوادر الخوف المشترك، وكذلك الإنسان.
ولقد أراد (دوركيم) زعيم المدرسة الاجتماعية الفرنسية الحديثة أن يصبغ جهوده في الاجتماع بالصبغة العلمية فميز في هذا العلم ناحيته (الاستقرارية هو معروف في العلوم البحتة كالميكانيكا والكهربائية وغيرهما).