نشرت لي الرسالة الغراء كلمة في (حديث عيسى بن هشام) تناولت فيها أسلوبه ومنزلته القصصية، ثم بدا لي رأي في هذا الكتاب آثرت أن أكتبه، علّ الطلبة المتسابقين يجدون فيه قبل الامتحان ما يهديهم إلى فهم المقصود من الكتاب.
حركة الإصلاح
استطاع الغربيون في القرن التاسع عشر أن يثبتوا أقدامهم في أقطار المشرق: يبسطون سلطانهم السياسي في كثير منها ويتذرعون في بعضها بالتبشير وإنشاء المدارس ويعالجون التجارة في أقطار أخرى. وقد حملوا إلى كل هذه الأقطار فيما حملوا ألواناً من العادات والتقاليد والأخلاق وضروباُ من المدنية والحضارة لم يشهدها الشرق من قبل. فانقسم الشرقيون حيال هذا الجديد الطارئ فريقين: فريقاً يتحفظ ويتصون ويرى الوقوف عند القديم الذي شوهته العصور المظلمة واذهب بهاءه الجمود الطويل، وفريقاً آخر قد فتنته المدنية الغربية وما فيها، فاندفع في تيارها على غير هدى وبصيرة فأصاب منها ما لا يغني ولا يفيد وأساء إلى تقاليده وأخلاقه
رأى المصلحون هذه الحال فلم يعجبهم هذا الجمود المزري ولم يرقهم هذا الاندفاع المقيت فقاموا بحركة للإصلاح، قوامها التجديد في حدود المعقول الذي لا يتنافى مع روح الدين ومبادئه وأصوله وغاياته، والوقوف في وجه الفوضى التي أوشكت أن تقضي على كل قديم جميل. وكان أول مجاهر بهذا الإصلاح زعيم الشرق السيد جمال الدين الافغاني، فقد دعا إلى مبادئه في بلاده والهند والحجاز وتركيا، ووصل إلى مصر عام سنة ١٨٧١ مبيناً منهاجه الإصلاحي فلاقى من المفكرين قبولاً، ورأوا فيه المنقذ للشرق والهادي إلى طريق الصواب
رأوا في آرائه ثورة على العلماء الجامدين الذين أساءوا إلى الدين بجمودهم حتى جعلوه في معزل عن الحياة العامة، وثورة سياسية تدعوا إلى إشراك الشعب في الحكم إشراكاً يظهر أثره، وثورة أخرى تنتظم نواحي الأخلاق والاجتماع والأدب؛ فقد دعا إلى الاقتداء بالسلف في أخلاقهم ومبادئهم، وأراد من الأدب العربي أن يكون أداة لنشر الأفكار والعلوم لا ألفاظاً