للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بمناسبة ترميم مسرح الأزبكية]

بناء المسارح الحقيقية

للأستاذ يوسف الحطاب

كان انصراف الممثلين فجأة عن المسرح واشتغالهم بالسينما وتحويل بعض المسارح إلى دور عرض سينمائية بغية الكسب المادي - من الظواهر الغربية التي سجلها النقد الفني في السنوات الخمس الأخيرة. والمسرح - ككل فن - حين يفقد رجاله والإطار الذي يقدم من خلاله، فإنه يفقد كل شيء ولا يعود له أمل إلا في حركة قوية ترد الأمور إلى ما كانت عليه، باعتبار أن ما لحقه طفرة غير طبيعية. ولهذا السبب لم يمض وقت طويل على هذه النقلة المفاجئة من المسرح إلى السينما إلا وقد ألمت بالسينما نكسة أفسحت الطريق أمام المسرح وجعلت الأنظار تتجه إليه من جديد والجهود تبذل للنهوض به. فأنشئ المعهد العالي لفن التمثيل لتخريج فنانين يمثلون على خشبة المسرح ونقاد ومؤلفين يخدمونه بأقلامهم. وبحث هذا الجيل الجديد عن مجال مسرحي يصرفون فيه نتاجهم الفني فلم يجدوا أمامهم من دور المسرح سوى دار الأوبرا ومسرح الأزبكية. والدار الأولى - كما يدل أسمها - لا تصلح إلا لنوع معين من التمثيليات هو الأوبرا أو الأوبريت، والمسرح الثاني لم تقدم عليه حتى اليوم مسرحية ذات قيمة من الوجهة الفنية لعجز وسائله عن تقديم مسرحية كاملة؛ والمسرحان بوجه عام لا يتناسبان وطبيعة الفن الحديث. ومن هنا كان لابد - وقد عاد للمسرح الفنان الذي افتقده، وتوفر له جيل جديد من الممثلين - أن نرى عكس ما حدث أثناء الحرب، فأخذت دور السينما تتحول إلى مسارح وفتحت أبوابها لهذا الفنان الجديد.

وكنا نظن أن هذا الجيل سيثبت وجوده المتميز عن وجود غيره، ويشعر المسئولين أنه نوع آخر ممتاز ويدفعهم إلى إيجاد مسارح جديدة، تمكنه من تحقيق فنه، حسب الاتجاهات الفنية المعاصرة - خاصة وأن هناك تباشير ميل إلى تعديل بناء المسارح القائمة أو هدمها وبناء مسارح جديدة. لا أن يقف عند هذه المسارح غير الحقيقة والتي لا تحمل من سمات المسرح سوى الاسم المجرد فحسب. ولنضرب مثلاً بأكبرها (دار الأوبرا) فهي لا تعدو أن تكون بهواً مستطيلاً في نهايته ممثل ضيق وعلى جانبه شرفات متراكمة فوق بعضها؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>