كان الفنان المصري إذا صور جماعة من الناس أو الحيوان أو المواد، فأنه يضعها بحيث يكون بعضها خلف بعض أو إلى جانبه، من غير مراعاة الوضع الطبيعي الذي كانت تظهر به أمام عينيه، وكان هذا هو الحال أيضاً عندما أراد التصرف بعض الشيء - مثلاً - في تصوير مائدة عليها أدوات أو مواد، فتراه يصورها قطعة قطعة، كما لو كانت متفرقة غير مجتمعة على مائدة واحدة؛ ذلك لأنه لم يكن يعرف أصول تصوير المجسمات، وعلاقة الحجم والبعد بالتصوير المنظور وكان هذا سبباً جوهرياً في ظهور مختلف المصورات التي مثلت شئون حياته الزراعية والصناعية والدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها، كما لو كانت متجاورة بالرغم من أن بعضها كان يجب أن يخفي البعض الآخر بحسب وضعه وراءها.
كما أن نظرة الفنان المصري لجماعة من الناس بينها شخصية بارزة، دفعته حيناً إلى إظهار هذه الشخصية بمقياس أكبر من المقياس الذي تقيد بتنفيذه في مصوراته، غير ناظر إلى موقع هذه الشخصية من حيث البعد أو القرب منه، أو لوضعها بالنسبة إلى مجاوريها، فضلاً عن نظرته إلى جسم الإنسان على وجه الخصوص، كما لو كان شيئاً ينظر إليه من وضعين مختلفين؛ فتراه كما ذكرنا في مقال سابق، نظر إلى الرأس والبطن والساقين والقدمين من الجانب، على حين نظر إلى العينين والكتفين والبطن من الأمام.
هذا هو التقرير العلمي عن التصوير المصري القديم، ذكرناه لتعريف القارئ بعض الشيء عنه، ليلمس الفوارق بين فنين قديمين أحدهما فن قومي والآخر فن مثلي بلغ الذروة التي تدفعنا دائماً إلى تلمس آثاره والسير على نوره والعمل على استيعابه، والمناداة بأنه وإن لم يكن أول الفنون جميعاً إلا أنه كان ولا يزال أعظمها خطراً وأجملها مظهراً وأصدقها تعبيراً.
لذلك كله لا نشك في أن الإغريق خلقوا فناً تصويرياً حقيقياً تقدموا فيه بخطوات واسعة ووصلوا إلى نتائج باهرة.