اصبح العالم اليوم يشاهد روسيا وألمانيا تتمشيان يداً في يد على خريطة أوربا السياسية، وقد يكون في ذلك شيء من الغرابة، ولكن الأيام من قبل قد أرتنا مثل ذلك.
فقد عاد ستالين وهتلر إلى تلك السياسة التي ترمي إلى تقوية موسكو وبرلين ضد قوى أوربا الغربية المتحدة.
وليس هذا كل ما في الأمر، فقد رأى هذان الرجلان المختلفان في الرأي والمبدأ أن يخضعا المبادئ والآراء، لضرورة الظروف الواقعة؛ فاختلاف المبادئ لم يكن له أثر يذكر في توثيق العلاقات التجارية بين روسيا الغنية بالخامات وألمانيا الحافلة بالمصانع والآلات. كما أن اختلاف الآراء والمناحي السياسية لم يكن ليحول دون هذا الاتفاق، وقد كانت الصلات السياسية والحربية بين موسكو وبرلين مبنية على قواعد وأسس وطيدة الاركان، حتى ظهر هتلر، وأعلنت مبادئه في ألمانيا؛ فتغيرت الأحوال، وحل الشقاق محل الوئام، وتبادل كل من الدولتين الدعاية المزرية ضد الأخرى، وتعددت الإهانات من الجانبين.
فنحن حين نذكر الاتفاق الروسي الألماني، جديرون بأن نذكر كلمة قالها سياسي فرنسي عظيم في هذا الاتفاق:(لقد عجبنا ولكننا لم نفاجأ).
على أن ألمانيا وروسيا وإن اختلفتا في المبدأ، فإن بينهما أواصر من التشابه تجمعهما في سياق واحد. ونعني هذا التشابه في الوسائل لا في الفكرة ولا في الفلسفة، فكلتا الدولتين تنفذان إلى أغراضهما عن طريق القوة، وكلتاهما تستخدمان أشد أنواع الإرهاب للاحتفاظ بكيانهما، وكلتاهما لا تعبئان باحتجاج الرأي العام أو تقيمان له وزناً، وكلتاهما تخضعان لحكم الأقلية وتسيران وراء نظام حزب واحد، وتهزئان بالنظم البرلمانية والأوضاع الشرعية، وكلتاهما تضطهدان الأديان، وتناديان بنوع جديد من الوطنية. ونحن نرى أن من المبالغة وسوء تقدير الموقف أن نقول إن هذه الأمور من شأنها أن تؤدي إلى تحالف دائم موطد الأركان ولكنها ولاشك تؤلف نوعاً من الوحدة بين الدولتين فلا تلبثان أن تتحدا إذا اصطدمتا عند غرض واحد.