في عام ١٩٠٩ لفت اثنان من حكام المستعمرات الأوربية أحدهما إنجليزي في الهند البريطانية، والآخر روسي في التركستان، لفتا النظر إلى المتغير الذي بدأ يحدث في اليقظة الاجتماعية والثقافية لسكان المستعمرات. فقال اللورد رونالد شاي:(هناك مشكلات آخذة في الظهور، لها أثر بعيد بالنسبة للعالم عامة، ولبريطانيا خاصة، تحفز على التفكير والدراسة، أعضاء جنسيتنا، وإني أشير إلى تلك المشكلات الممثلة في الرغبة الزائدة لتأكيد الذات، التي تثير أعصاب الشرقيين. وفي الواقع أن احتكاك الفكر العربي بأفكار الشرقيين، قد أحدث تأثيراً كبيراً في جميع سكان الشرق.
وفي نفس العام، كتب الحاكم الروسي العام للتركستان: (إن الحروب قد حركت العالم الإسلامي في الفترة الحالية، فقد ظهرت أولاً فكرة الجامعة الإسلامية ثم المطامع الوطنية المتزايدة والأفكار الثورية، كل هذا حرك الجماهير الإسلامية، وأيقظ في أوساطهم فكرة الوحدة الوطنية، والأفكار الاشتراكية)
ومنذ عشرين سنة كافحت الهند من أجل الاستقلال، الذي لفت أنظار بريطانيا والعالم. وفي التركستان، حلت الجمهوريات الوطنية الاشتراكية محل الولايات الروسية التي كانت تحت سيطرة الحاكم العام. وقد عرف تفوق أوربا في ميدان العلوم الهندسية والتنظيم الفني. وبدا الناس يعرفون بالتدريج أن أوربا يمكن أن تقهر بأسلحتها، فساروا على نهج حركات التحرير الوطنية التي قامت في أوربا في القرن التاسع عشر. ولما تنبهت في شرق أوربا - أمم لا تاريخ لها - للشعور بذاتها، في القرن التاسع عشر، وحاولت أن تلعب دوراً إيجابياً في التاريخ؛ استيقظ الشرقيين من ظلمات عهود الإقطاع الوسطى، وهبوا إلى غرض واحد في شعار الوطنية ورأسمالية الطبقة الوسطى.
إذن، فالشرق قد وصل إلى عصر فيه الوطنية أعلى وأسمى الأوضاع الاجتماعية، وتفرض طابعها على العنصر.
ومنذ سنوات، كان الدين هو العامل الفعال في الشرق. وليست الوطنية ديناً خارجاً ولكنها