كم ذا يقاسي العاشقون ويألمون، ولا يدري بهم أحد، ولا يبلغ وهم إنسان تصور ما يعانون.
كم للحب من شهداء عاشوا بائسين، وقضوا صامتين، فما حازوا مجداً ولا فخاراً، ولا اشتروا جنة ولا أمنوا ناراً. . . مساكين. . . يعيشون في دنيا الناس وليسوا فيها، يرون بغير العيون، فلا يرى الناس ما يرون، ولا يبصرون ما يرى الناس، يموت عندهم كل حي ما لم يتصل بالحبيب، ويحيا كل ذي صلة به حتى الجماد. . .
إن فكروا ففي المحبوب، أو تكلموا فعنه، أو اشتاقوا فإليه، أو تألموا فعليه. . .
فإن تكلمت لم أنطق بغيركم ... وإن سكت فشغلي عنكم بكم
وإن منحوا الدنيا باعوها كلها بقبلة أو شمة أو ضمة، ثم لم يأملوا إلا دوامها، أو الموت بعدها لئلا يجدوا فقدها، لا يألمون إن قال الناس مجانين، ولا يحزنون إن نالهم الأذى، بل ربما سرهم ما يسوء، إن كان فيه رضا المحبوب. . .
ويا ويلهم من العذال، ويا ويل الشجي من الخلي!
يلومون قيساً، لأنهم لا يرون ليلاه إلا امرأة كسائر النساء، ففي كل امرأة عوض عنها وبديل منها، ولو استعاروا عيني قيس فنظروا بها ساعة لرأوا ليلى هي الدنيا، وهي الأخرى، وهي الروح، لولاها ما كانت الحياة، ولا أضاءت الشمس، ولا أنار القمر، ولا بسم الروض، ولا ضحك الينبوع، ولا همس النسيم، ولا غنى الطائر، ولا كان في الدنيا جميل. . .
قصة الحب هي القصة الأزلية التي تتكرر دائماً، وتعاد أبداً، لا تمل ولا تسأم. وهل يمل حديث الحب ويحكم! نقرؤها كل يوم فلا نراها تبدل فيها إلا الاسم، فهي آناً قصة ليلى أو لبنى أو عفراء أو سلمى كرامة، وهي آناً قصة هلويز أو ماجدولين أو فرجيني أو شارلوت، ولا تغير إلا المنازل؛ فمن بطاح نجد إلى ضفة البحيرة، إلى ساحل الدنيا الجديدة، إلى ضلال الزيزفون. . . أما القصة فهي هي ما تبدلت ولا تغيرت. . . ولا يمكن أن تتبدل حتى تبدل الأرض غير الأرض. . .
على أن للحب مواسم، وله منازل، ينبت فيها كما ينبت النخيل في البصرة، والكرم في