للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التصوير الفني في القرآن]

للأستاذ سيد قطب

التصوير هو الطريقة المفضلة في تعبير القرآن فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية، وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية، وعن الحادث والمشهد المنظور، كلها سواء في طريقة التعبير المحسوس. وانه ليرتقي بالصورة التي رسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية. فأما الحوادث والمشاهد والقصص، فيردها شاخصة حاضرة، فيها الحياة، وفيها الحركة، فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التخييل. فما يكاد يبدأ العرض حتى يخيل المستمعين نظارة، وحتى ينقلهم نقلا إلى مسرح الحوادث الأول، الذي وقعت فيه أو ستقع، حيث تتوالى المناظر وتتجدد الحركات، وينسى المستمع أن هذا كلام يتلى ومثل يضرب، ويتخيل انه منظر يعرض، وحادث يقع، وأمر يكون:

فهذه شخوص تروح على المسرح وتغدو، وهذه سمات الانفعال بشتى الوجدانات المنبعثة من الموقف، المتساوقة مع الحوادث، وهذه كلمات تتحرك بها الألسنة، فتتم عن الأحاسيس المضمرة. . .

إنها الحياة هنا. وليست حكاية الحياة

فإذا ذكرنا أن الأداة التي تصور المعنى الذهني والحالة النفسية، وتشخص النموذج الإنساني أو الحادث المروي، إنما هي ألفاظ جامدة لا ألوان تصور، ولا شخوص تعبر. . . أدركنا سر الإعجاز في تعبير القرآن.

والأمثلة على هذا الذي نقول هو القران كله، حيثما تعرض لغرض من الأغراض التي ذكرناها: حيثما شاء أن يعبر عن معنى مجرد أو حالة نفسية أو صفة معنوية أو نموذج إنساني، أو قصة ماضية، أو مشهد من مشاهد القيامة، أو حالة من حالات النعيم والعذاب، أو حيثما أراد أن يضرب مثلا في جدل، بل حيثما أراد هذا الجدل اطلاقا، واعتمد فيه على الواقع المحسوس، أو المتخيل المنظور.

وهذا هو الذي عنيناه حينما قلنا: (إن التصوير هو الطريقة المفضلة في تعبير القرآن).

<<  <  ج:
ص:  >  >>