ظل حال التعليم هكذا حتى تولى أمر الحجاز عاهل الجزيرة العربية الملك عبد العزيز فعمل جاهدا على نشر الثقافة في هذه البلاد لتساير النهضة القوية في البلاد العربية الشقيقة، وقد استطاع في هذه الفترة الوجيزة من الزمان أن يخلق في الحجاز جوا علميا حديثا يغبط عليه الحجاز الآن فهو يبشر بمستقبل قريب محقق.
والذي يدعو إلى الغبطة أن التعليم الأساسي (الأولى) والتعليم الابتدائي قد أديا رسالتهما في الحجاز في المدن على الوجه الأكمل حتى إنك لتجد الكثرة الغامرة من البنين والبنات في هذه المدن يجيدون القراءة والكتابة، فإذا نحن تجاوزنا هذا النوع من التعليم إلى ما هو أرقى منه وجدنا ابن السعود يجاهد في إحيائه ويعمل على نشره ليخرج من الحجازيين صفوة صالحة تبني الحضارة الجديدة على أسس صالحة قوية، قد عارض في هذه السياسة الحازمة الرشيدة في بادئ الأمر المعارضون من أهل نجد، ولعل جلالة الملك قد لقي في هذا الصدد ما لاقاه محمد علي باشا في بداية النهضة المصرية حينما كان يحمل الناس على التعليم حملا فيلاقي منهم انصرافا وإعراضا.
ومن ثم صار في الحجاز في العهد السعودي مدارس ثانوية متعددة تسير مناهجها على غرار المناهج المصرية وتعد الطلبة للحاق بالجامعتين المصريتين، ويقوم بتدريس بعض المواد فيها أساتذة مصريون ليوحدوا بين الثقافتين ويؤلفوا بين الاتجاهين حتى إذا ما وفد الطلبة الحجازيون إلى مصر وجدوا أنفسهم بين إخوان لهم قد اتحدت ثقافتهم وتقاربت مداركهم.
وفي الحرمين الشريفين الآن تدريس للعلوم الشرعية واللسانية ينهض به علماء مصريون وحجازيون ونجديون وعلماء من شنقيط ويسير التدريس فيهما على نظام الحلقات حيث يلتفت الطلبة حول أستاذهم يستمعون إليه وهو يلقي درسا في الحديث أو التفسير أو الفقه أو النحو والصرف. وهذا اللون من التعليم يكاد يكون عاما شاملا لأهل مكة والمدينة، وينتظم في الحلقة الواحدة الكثير منهم على اختلاف أسمائهم وتباين أعمالهم؛ فتجد تلميذ