علق الأستاذ العقاد على هذا النحو الذي نحاه الرافعي في هذا الفصل بقوله:(هذا نموذج من شواهد الرافعي بنصه ترى إنه قد علق فيه بلاغة القرآن على شيء هيهات أن يكون مقصوداً أو سارياً في كل آية على النحو الذي يحكيه، وإلا فما يقول الرافعي في هذه الآية التالية من سورة هود (قيل يا نوح اهبط بسلام هنا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم)
(فإن كانت بلاغة الكتاب الكريم مرتهنة بذلك النسق الذي تصوره الأديب؛ فهل يناقض البلاغة في رأيه توالي الميمات الكثيرة والنون والتنوين في هذه الكلمات المتعاقبة؟ أو يظن الرافعي هذه الآية بدعا من الكتاب؟)
ما أردت بنقل هذين النصين وخصوصاُ النص الثاني من كلام الأستاذ العقاد الذي يجل آراءه الأستاذ سيد ونجلها جميعاُ، إلا أن أبين أن السر في إعجاز القرآن لا يمكن أن يخضع لمقاييس شائعة، ولا لقواعد بشرية يتناولها الجهد البشري بالتعديل والتغيير والتنقيح والنقد والرفض
فالحيرة القديمة التي كانت تمتلك عقول القدماء في فهم سر الإعجاز القرآني لا تزال تتجدد وتمتلك عقول المحدثين، ولن تزال كذلك ما دام القرآن معجزاً، وما دام الشرط في المعجزة أن تكون شاذة عن حوادث السكون الشائعة ولا يستطاع تفسيرها.
وحسن جداً من الأستاذ سيد، وتوفيق يهنأ عليه أن يكشف عن معالم للجمال الفني في القرآن يجليها وان يصف آثارها في النفس وعجبها منها وانفعالها لها، ولكن من غير الحسن فيما أرى أن يربط بينها وحدها وبين سر الإعجاز
وموعدنا المقال الآتي في الرد على اعتراضات الأستاذ سيد على ما أسماه (المحاولات الذهنية) التي حاولت بها أن أكشف ما في آيات الوحدانية بسورة الأنبياء من استخدام ضروب الأدلة الذهنية جميعها، وأشكر الأستاذ سيد أن أتاح لي فرصة الكشف عنها صدفة لأول مرة فيما أعلم، لتضاف إلى أسرار القرآن الكثيرة التي تكشف عنها الأيام فيما تحت (سطحه التعبيري)