للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لوعة صديق على صديقه (إسعاف)]

للأستاذ محمد عبد الرحمن الجديلي بك

يا زعيم العربية!، ويا إمام المحققين!

أما وقد حُمَّ قضاء الله فيك، وانفض سامرك، وانطوى بساطك، وذوي (نُقلك)؛ فإنني لا أجد ما يصَّبرني عنك، ولا ما يعزيني فيك، إلا أن أستعير من بيانك ما أناجى به روحك العذب، وإلاَّ أن أرثيك، بمراثيك!. . .

ألم تهتف غداة مات (شوقي) بشعر شوقي:

(إنما الدنيا شجون تلتقي ... وحزين يتأسى بحزين)

(ضَحِكُ الدنيا احتشاد للبكا ... وأغانيها معدات الأنين!)

ولقد استطعتَ أن تُبْهِجَنَا ليلتَك الأخيرة؛ لتُبكينَا أيامَنا الطويلة! ألم ترسل فيه اللوعة المريرة ثم تندبه بقول حبيب:

(أُصيبتُ فيه وكان عندي ... على المصيبات أن يُعينا)

(كنت عزيزاً به كثيراً ... وكنت صباً به ضنينا)

(آليتُ أنساهُ ما تجلى ... صبح نهار لمدلجينا)

ولقد آلينا لا ننساك!!

ألم تبعث فيه الأنين الوفيُّ، ثم تتمثل بقول (أبى تمام):

(تذكرت نضرة ذاك الزمان ... لديه؛ وعمران ذاك الفناء)

(وأذ علمُ مجلسه موردٌ ... زلال! لتلك العقول الظِّماء)

(وكنتُ أراه بعين الجلال ... وكان يراني بعين الإخاء!)

وإننا لنتذكر، ثم نتذكر. . .

ألم تسكب أنت في (شوقي) عَبرَتك الحرَّي، وروحك الملتاع، وشعورك المتأجج، في فقرات من البيان الذي هو نسيج وحده! كما أنت نسيج وحدك! فأخذت تهتف ببنات العروبة؛ ليُسعِدنك يوم (شوقي) بالنحيب، وجعلت تقول:

بلبل (الكرمة) ولّى، أين غاب البلبل؟، بهجة زالت وجاءت وحشة! مِدْرهُ العُرب قضى، يا فتاة العرب!، فالبسي ثوب الحداد اذكريه، اندُبيه، أبَّنيه، بمراثٍ، مشجيات، خالدات!

<<  <  ج:
ص:  >  >>