السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد، فقد طالعت ملاحظاتكم القيمة على كتابي (الزواج والمرأة). وأبادر فأشكركم على كلماتكم الرقيقة التي تفضلتم فوجهتموها إليّ ثناء على مجهودي في الكتاب، ولقد تقبلت هذه العبارات على أنها وجهت إليّ على سبيل المجاملة والتشجيع.
بقي أنكم أشرتم في رسالتكم أنكم كنتم تودون أن أبلغ نهاية الشوط مجلياً، فلا أغلو في الدعوة إلى منع تعدد الزوجات منعاً باتاً لأي سبب من الأسباب، ولاحظتم عليّ أنني أخطأت في فهم آيات القرآن، فربطت بين آيتي العدل في النكاح (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) لأصل من ذلك إلى حد كاد يلغي معه هذا الحق أصلا
وأبادر فأقول إنني ما نازعت أبداً في حق المسلم في الزواج بأكثر من واحدة بمقتضى الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح، ولقد قلت في بدء الفصل الخاص بتعدد الزوجات ما يأتي بالحرف الواحد:(لا جدال في أنه من حق المسلم بموجب نصوص القرآن وسنة الرسول والصحابة ما جرى عليه إجماع المسلمين في فترة من الزمان أن يتزوج أكثر من واحدة، وأن يتزوج اثنين وثلاثاً وأربعاً)
وهذه العبارة صريحة وقاطعة، فلا تحتمل شكا ولا تأويلا في أنني أعترف للمسلم في حقه في الزواج بأكثر من واحدة بمقتضى الكتاب والسنة، ولكنني بعد ذلك رحت أبحث الكتاب من الناحية العلمية في وقتنا الحاضر، وأن التعدد في بلادنا قد أوجد مفاسد كثيرة وعمل على تفكيك روابط الأسرة إلى درجة أصبحت تهدد المجتمع المصري ما جعل الإمام المصلح الشيخ محمد عبده يدعو إلى منع تعدد الزوجات عملا بالقاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار). وإذن فقد ناقشت الموضوع، لا من حيث الشريعة، ولكن من حيث الضرورات الاجتماعية في وقتنا الحاضر، واستندت فيما دعوت إليه إلى روح التشريع الإسلامي التي تهدف في هذا الأمر إلى التضييق، وتعتبر كل تقليد فيه فضيلة بحيث يمكن