للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٨ - الدين والسلوك الإنساني]

للأستاذ عمر حليق

الجماعة الدينية

توصلنا في الفصل السابق من هذه الدراسة إلى القول بأن وظيفة الدين لتحقيق التكافل الاجتماعي في الجماعة الإنسانية تتوقف على صدق الإيمان والاختبار الديني لدى أعضاء تلك الجماعة وعلى مدى تحديد العقيدة الدينية التي تدين بها الجماعة لأسس ذلك التكافل.

ورأينا أن سلامة العقيدة الدينية وصيانتها من التحوير والتبديل شرط أساسي لحفظ ذلك التكافل الاجتماعي وهذا لا يعني الجحود والتعصب وإقفال باب الاجتهاد.

فالمشكلة في صيانة العقيدة وسلامتها ووصف المدافعين عنها بالجحود والرجعية والمعتدين عليها بالإلحاد والزندقة ترجع إلى الخطأ في تفهم معنى السلامة ومغزى الصيانة.

فإذا كان للدين أن يكون وسيلة جوهرية فعالة لحفظ التكافل الاجتماعي وتنميته يجب أن تحدد وظائفه ومعانيه. وهذا التحديد لا يمكن أن يمس العقيدة لأن العقيدة فطرة وغريزة كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم (٣٠، ٣٠) (فأقم وجهك للدين حنيفا. فطرة الله التي فطر الناس عليها. لا تبديل لخلق الله. ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون). وقد استعرضنا في مكان آخر من هذا البحث رأي بعض علماء الاجتماع والأنترولوجيا في صدق هذا القول.

فالاجتهاد إذا في بحث الفلسفة الدينية لا يخضع لأصول المنطق العلمي إذا توخى التعرض للدين من حيث أنه عقيدة، فالعقيدة الدينية قديمة في السلوك الإنساني قدم الأزل لم يطوح بها تطور الفكر الإنساني في العلوم والفنون.

ولئن سعى بعض الناس إلى تحديد معنا الدين ووظائفه فإن سعيهم هذا كثيرا ما يعد من قبيل سوء الاجتهاد إذا تعمد مس العقيدة مسا رقيقا أو غير رقيق.

والاجتهاد الذي من هذا القبيل يبدأ في هدم الأساس الذي يحاول واعيا أو غير واع أن يبني عليه تكافلا اجتماعيا جديدا.

فالعقيدة فطرة غريزية وظيفتها محدده معينة أصولها في النظام الكوني والتكوين النفساني والجسماني للإنسان. ولقد أصاب الغزالي حين شبه العقيدة الدينية بجذع الشجرة ووظائف

<<  <  ج:
ص:  >  >>