للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الدين الاجتماعية بالأغصان. وقد يستطيع عالم النبات بمعادلة حديثة أن يطعم غصون الشجرة لتؤتي ثمرا حديثا. قد يكون ألذ من الثمر الأصلي أو قد لا يكون ولكن عالم النبات لن يستطيع أن يسلط معادلة على صميم التكوين الطبيعي لجذع تلك الشجرة وإلا قتلها.

ولعل هذا المثل ينطبق على سوء اجتهد بعض الباحثين في تعرضهم للعقيدة وفي سعيهم لتطعيم الدين بالمستجد من التطور الفكري والاجتماعي الذي تمر به الإنسانية في مجرى التاريخ.

ولإشكال الذي صاحب تاريخ الديانات يعود إلى سعي بعض أولي الفكر لتطعيم العقيدة الدينية بالآراء والنظم التي استعدوها، من بيئتهم الاجتماعية والفكرية. وهذا خطأ وصوابه أن توجه تلك النظم والآراء الفكرية والاجتماعية بحيث تلازم جوهر العقيدة الدينية. وذلك لسباب بسيط وهو أن العقيدة فطرة غريزية هي من صميم الوجود؛ بينما النظم والآراء المستجدة متقلبة تبعا لتطور الفكر والبيئة والأوضاع السياسية والاقتصادية.

فالصراع يصبح إذا بين الغريزة الفطرية السليمة وبين البيئة والتطور الفكري. فالأولى أبدية راسخة والثانية متقلبة بتقلب الظروف والملابسات.

والاجتهاد عادة ضرورية للنمو العقلي. فإنك لن تستطيع أن توقف عقرب الساعة وتؤجل استمرار الزمن. والمشاكل الاجتماعية تختلف باختلاف المجتمعات والأزمنة، ولا بد للدين أن يؤدي وظيفته الاجتماعية إلى جانب وظيفته الروحانية الفطرية الغريزية. ولن يكون ذلك بإقفال باب الاجتهاد على النحو الذي يدعو إلية بعض حفظة الدين في إخلاص وصدق لا مراء فيهما. فمثل هذه الدعوة من قبيل سوء الاجتهاد. فه تنكر على الزمن تطوره وعلى الفكر نموه وعلى المجتمع اضطراد مسيره وميلاد مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة فيه.

والإخلاص والصدق في الدفاع عن العقيدة الدينية وجوهرها وأصولها اجتهاد حميد ولكنه لا يكفي لمواجهة التحدي الذي يواجهه الدين في عالم يزخر بالمستجد من المشاكل والآراء والنظريات التي لم يعالجها الدين في القرون الغابرة.

وهذا التحدي للعقيدة الدينية وحفظها يستوجب التعرف على أسس تلك المشاكل الاجتماعية وعلى جواهر الآراء والنظريات التي تتحدى الدين ووظيفته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>