[٤ - عهد]
للأستاذ محمد محمود جلال بك
في مستهل عام ١٩١٦ تلقيت من الصديق الراحل المرحوم أحمد توفيق البرطباطي كتاباً من أربع صفحات، كله شعر! قصيدة من جيد النظم، بلغت ثمانين بيتاً، همزية القافية، تؤيد ما ذهبت إليه من طول نفسه بقدر ما تؤيد اصطفاءه لوزن وقافية. ولو اقتصرت قصيدته على ما وصفنا لعدت من عيون الشعر
ولكن الشاعر - تولاه الله برحمته - ألهم فيها التعبير عن شتى النواحي من مذهبه في الحياة، حتى لأعدها ديوانا مستقلا، وإنها لتحفة رائعة. وقد نشرت في الصفحة ٣٧ من ديوانه دون تأريخ، وحرص على أن يكون عنوانها (أرسلتها لصديقي محمد محمود جلال) وهاك مفتتحها: -
ضاع الرجاء فكن بحيث رجائي ... واحمل على حسن الوفاء وفائي
إن خان خل أو تغير صاحب ... فأنا الحري بحفظ عهد إخائي
أرسلت قلبي فهو عندك حاضر ... وبعدت حتى ما أبين لرائي
خوفا علي من العيون يواقظا ... من أن تخدش عفتي وولائي
وإذا رآني الدهر وهو مناوئي ... ومناصبي الأيام طول عدائي
ما بين أولاد له وبناته ... أغرى البنات وصاح في الأبناء
فبعدت عن أبنائه متحاميا ... أخواتهن مجانب الإيذاء
والمرء فيما بينه نسب وما ... بين أخته من جامع الآباء
أخفيت وجهي عنه لا عن فتية ... فضلاء مثلك غاية الفضلاء
يسري فيفعل فضلهم بحبيسهم ... ما يفعل المصباح في الظلماء
فهجرت هذا الناس لا عن رغبة ... في الهجر لكن كي أصون حياتي
أنا في الحقيقة من بقية معشر ... قاسوا الأمور بحكمة ودهاء
قست الأمور وسستها ببصرا أهدى ... نظرت به عيني إلى نظرائي
وطرحت أهواء الزمان وريبه ... كيلا أسب بخلة الأهواء
إلا هوى في نفس كل أخي حجا=تدلى حبائله ذرا العلياء