لقد عاهدت نفسي من عهد غير قريب ألا أعالج عملاً سياسيا من أي نوع كان، وأن أكتم قلمي فلا يتنفس بحديث السياسة أبدا، فأنني لم أصب من هذه السياسة إلا شراً كبيراً، ولعلي لم أجد بها على وطني خيراً كثيراً، بل لقد يراني بعض الناس صنعت في هذا الباب شراً كثيراً. فان كنت كذلك حقاً فأسأل الله أن يغفر لي ما أسأت من حيث ابتغيت الإحسان. والله ذو الفضل العظيم.
ومهما يكن من شيء فإنني عاهدت نفسي على ألا أعالج حديث السياسة، وقد صدقتها ما عاهدت. على أنني أرى صدري يجيش اليوم بكلام يقتضيني واجب الذمة الوطنية أن أنفثه نفثاً وإلاً مزق صدري تمزيقاَ. وهذا كلام قد يظهر لبعض الناس في صور أحاديث السياسة، ولو قد تفطن هؤلاء إلى ما أريد لأدركوا أنه ليس كذلك، أو أنه، على الأقل، ليس من ذلك النوع الذي أخذت نفسي بألا أخوض فيه أو أتناوله بأي علاج
إنما أخذت نفسي، في الواقع، بهجران السياسة الحزبية، فلا أخب في فتنة ولا أضع. وليس معنى هذا أنني لا أدلي برأي أراه في مصالحة بلدي، أو أنصح به لقومي، أو أنصح به عن معشري إذا كانت الجلى وتربدت وجوه الحادثات. فأنني إن فعلت فقد عطلت مصريتي، وأتمت في حق بلادي، وكنت مختلسا لشرف الانتساب إلى هذا الوطن. وأستغفر الله العظيم من هذا الذنب العظيم!
على أنني من يوم ذلك العهد لا أدع فرصة للحديث في شأن الوطن إلا تحدثت، وهذا الراديو أحاضر منه كل أسبوع، وهذه صحف شتى، ومجلات مختلفة الألوان أرسل القول فيها كلها، فأتناول الموضوعات الاجتماعية، والأخلاقية، والأقتصادية، بل إنني لألح على بعض موظفي الحكومة بالنقد القاسي على تصرفهم فيما بين أيديهم من الشؤون العامة. فإذا عد هذا كله من السياسة، فهي ليست السياسة التي جمعت العزم على هجرها من ذلك العهد البعيد
والموضوع الذي أتناوله بالكلام اليوم هو أثر السياسة في الأخلاق العامة، لا ألحظ في حديثي حزباً معيناً ولا أظاهر شيعة من الشيع السياسية القائمة في البلاد. وسيرى القارئ