يخيل إلي أننا قد وصلنا الآن إلى مرحلة من نمو ثقافتنا يجب عندها أن نأخذ أنفسنا بالصرامة فيما نكتب، فلا نتحدث إلا عن بينة تامة وتحقيق لما نقول، بعد أن نكون قد عمقنا الفهم، وإلا فسنظل ندهم ونتوهم أننا نعرف شيئاً نافعاً، ونحن في الواقع نضرب شرقا بغرب ضالين مضللين.
وهناك مسائل لا يكفي للحديث عنها أن نقرأها في كتاب إنجليزي أو فرنسي ثم ننقلها إلى قرائنا حسبما نظن أننا قد فهمناها. هذا لا ينبغي. ونأخذ اليوم لتلك المسائل مثلاً من (أوزان الشعر)، كما تحدث عنها الأستاذ دريني خشبة فيما يحشد من أحاديث.
يريد الأستاذ أن يميز بين العروض الإنجليزي وغيره من الأعاريض الأوربية وبين العروض العربي، فيقول:(وبحسبنا هنا أن نذكر أن العروض الإنجليزي، بل كل أنواع العروض في اللغات الأوربية، إنما أساسها التفعيلة وليس أساسها الأبحر كما في العروض العربي). وهذا قول لا معنى له إطلاقا، لأن جميع أنواع الشعر الشرقي والغربي على السواء تتكون من تفاعيل يجتمع بعضها إلى بعض، فتكون الأبحر والشعر العربي في هذا كغيره من الأشعار. وإنما التبس الأمر على الأستاذ لأنه رأى الأبحر في الإنجليزية تسمى باسم التفعيلة المكونة لها، فيقولون. . الخ. وأما في العربية فقد وضعوا لها أسماء أخرى كالطويل والبسيط وغيرها. وإذا كانت في الشعر العربي أبحراً متجاوبة التفاعيل كالطويل أو البسيط مثلا حيث نجد التفعيل الأول يساوي الثالث والثاني يساوي الرابع، فإن هناك أيضاً أبحر متساوية التفاعيل كالمتدارك والرجز والهزج والكامل وغيرها. وهذه وتلك كان من الممكن أن تسمى بأسماء تفاعيلها فالمسألة مسألة مواضعة. وإذا كانت في الشعر العربي زحافات وعلل فإن الشعر الأوربي أيضاً فيه ما يسمونه بالإحلال فتراهم يضعون مقطعاً سبوثدياً محل مقطع داكتبلي أو مقطع إيامبي، وفي الشعر العربي والشعر الأوربي معاً لا يغير هذا الإحلال من اسم التفعيل الأصلي. وإذن فكل الأشعار من هذه الناحية لا تختلف في شيء.