تدور على ألسنتنا في هذه الأيام بضعة ألفاظ أساسية نعبر بها عن عقائدنا ومناهجنا العملية، وعما نطمح إلى بلوغه من غايات وأهداف. من هذه الألفاظ: القومية، والديمقراطية، والاتحاد، والتقدمية، والاشتراكية، وأمثالها. ولما كانت المعاني التي نسبغها على الألفاظ لها خطورتها الكبرى فيما نصوغ من فكر وما نبني من منشآت، وجب علينا أن نوضح لأنفسنا حقيقتها، ونستخرج متضمناتها، كي نسير على هدى، ونشيد على أساس صحيح. ولملنا إذا تبينا الجوهر، وكشفنا عن الأصل، لا نضيع ما نضيعه الآن من جهد ووقت في مناقشة الأعراض والبحث عن الفروع.
ولا جدال في أن هذه المهمة الإيضاحية تقع أولا على عاتق رجال الفكر، فهم المسؤولون في الدرجة الأولى - إزراء مجتمعهم وإزاء التاريخ - عن تحديد المعاني، ورسم الأهداف، وتخطيط السبل وإليهم يتطلع المجتمع لقيادته في الكشف عن الأسس، وتمييز الأصول من الفروع، ووضع الأهم قبل المهم، والنهم الباقي قبل التافه الزائل.
وليس حديثي هذا سوى محاولة لإيضاح معنى لفظ من هذه الألفاظ الأساسية التي نرددها ومشتقاته المختلفة. فكثيراً ما نتحدث عن التقدم، والنقدية، والمجتمع النقدمي، وننقسم شيعاً تبعاً نفهمه منها. ولذا كان حريا بنا أن نقف بين آن وآخر لنتبين حقيقة ما نقصد إليه، ونتفق على ما نعني، توفيراً للجهد، وتوضيحاً لجوهر الخلاف - إذا كان ثمة خلاف - واتباعاً للأسلوب العلمي المنظم في المناقشة الفكرية والسلوك العلمي.
فما هو المجتمع التقدمي، وما هي الصفات الأساسية التي ننطوي عليها تقدميته؟
المجتمع التقدمي هو، أولا، مجتمع متحرك متطور، وإذا أردنا استعمال لفظة غريبة قلنا:(ديناميكي). وليس من الصعب علينا أن نفرق بين مجتمع بهذه الصفات وآخر يغلب عليه الركود والجمود. فالمجتمع المتحرك الديناميكي يتميز بالقوة والتغير. أما قوته فبإنتاجه المادي والعقلي: إنتاجه فيما يستثمر من موارد الطبيعة، ويستغل من كنوزها، وما يبنى من منشآت، وينظم من علاقات، وما يصاحب ذلك كله من نظر عقلي وبحث علمي. وتركيز