ليس أكثر من دعاة الحرية في هذا العصر! وليس أكثر إيغاراً للصدور من دعاة حرية الفكر! وما أنا بغافل عن تلك الضجة التي أثيرت منذ أمد قريب، حين عرض أحد الكتاب لقضية الحرية الفكرية. . . ومع ذلك فأنني أجد نفسي راضياً بأن أثير هذه المسألة الشائقة الشائكة معاً، لأجل خاطر (جويو) صاحب هذه الدعوة!
وصديقنا جويو فيلسوف أصيل جمع بين العمق والطرافة والوضوح. وهو واحد من أولئك الفلاسفة القليلين الذين استطاعوا أن يفهموا الفلسفة على أنها قطعة منتزعة من قلب الوجود، وليست مجرد أفكار عقيمة لا تمت إلى الحياة بأدنى سبب. فالفكرة الجوهرية في مذهب جويو هي أن (الحياة) جوهر الوجود، وأن الفكر ما هو إلا جانب من جوانب الحياة. وقد استطاع جويو أن يوفق بين النزعة الفردية والنزعة الاجتماعية على أساس هذه الفكرة، فذهب إلى أن المثل الأعلى للحياة الفردية، إنما هو ذلك الذي تتمثل فيه الحياة الحافلة؛ والحياة الحافلة هي تلك التي لا تكون فيها الذات مغلقة على نفسها، بل تكون قادرة على أن تسع غيرها من الذوات. ومعنى هذا أن نقطة البدء في فلسفة جويو هي (الفردية) لأن الحياة الخصبة الحافلة إنما هي الحياة الفردية التي لا تكون فيها معارضة بين الفرد والمجموع، إذ تمتد الذات حتى تشمل المجموع وتضمه تحتها!
وقد نشأت فكرة الحرية عند جويو كنتيجة لهذه النزعة الفردية الخاصة. ونحن ندع جويو يعبر عن هذه الفكرة بعبارته التي تفيض قوة وحماسة؛ فيقول:
(. . . ألا يمكن أن يأتي ذلك اليوم الذي فمه تزول كل العقائد السائدة التي يتمسك بها الناس، بحيث لا يبقى أي إيمان عام يستأثر بالنفوس أو يمتلك العقول؟ إلا يمكن أن يحين ذلك اليوم الذي فيه يصبح الاعتقاد (فردياً) خالصاً، فلا تعود هناك سنة بل خروج وابتداع؟ إن الرغبة في التحكم في الجسوم، فمن واجبنا إذن أن تتحامى أولئك الذين يريدون أن يفرضوا أنفسهم علينا، أو أن يجعلوا من أنفسهم موجهين لأفكارنا، أو قادة لضمائرنا. . . أجل، يجب علينا أن نتجنب هؤلاء كما نتجنب المصائب والمحن! فقد آن الأوان لأن نسير